سورة المطففين
قال تعالى : ( ويل للمطففين ) نزلت فى أهل المدينة قال بن عباس : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً فأنزل الله ( ويل للمطففين ) فحسنوا الكيل ؛ التطفيف هو البخس فى الكيل والميزان إما بالإزدياد إن اقتضى من الناس أو بالنقصان إذا قاضهم (الذين إذا اكتالوا على الناس ) أى من الناس ( يستوفون ) يأخذون حقهم بالوافى والزائد ( وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ) اى يُنقصون ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ) أى ما يخاف أولئك من البعث والقيام بين يدى من يعلم السر وأخفى ( ليوم عظيم ) يوم القيامة ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) أى حفاة عراة فى موقف صعب ضنك على المجرمين ( كلا إن كتاب الفجار لفى سجين )سجين فعيل من السجن وهو الضيق ( وما أدراك ما سجين ) أمر عظيم وسحيق مقيم وعذاب أليم وهو تحت الأرض السابعة وقيل : هو بئر فى جهنم ( ويل يومئذ للمكذبين ) المرادبه الهلاك والدمار ( الذين يكذبون بيوم الدين ) لا يصدقون بوقوعه ولا يعتقدون به ولا يستبعدون أمره ( وما يكذب به إلا كل معتدٍ أثيم ) أى معتد فى أفعاله والمجاوزة فى تناول المباح والأثيم فى أقواله إن حدث كذب وإن وعد أخلف وإن خاصم فجر ( وإذا تُتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ) أى مفتعل من كتب الأولين ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) ليس الأمر كما قالوا بل هو كلام الله ووحيه وتنزيله على رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما حجب قلوبهم عن الإيمان به ما عليه من الران الذى قد لبس قلوبهم من كثرة المعاصى والذنوب ؛ قال الحسن البصرى : هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) أى محجوبون عن رؤية خالقهم ؛ وفى هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرون ربهم ( ثم إنهم لصالوا الجحيم ) أى من أهل النيران ( ثم يقال هذا الذى كنتم به تكذبون ) توبيخ وتقريع وتحقير ( كلا إن كتاب الأبرار لفى علين ) فى الجنة ( يشهده المقربون ) الملائكة ( إن الأبرار لفى نعيم ) يوم القيامة فى نعيم مقيم ( على الأرائك ينظرون ) السُرر وينظرون فى ملكهم ( تعرف فى وجوههم نضرة النعيم ) أي صفة الترافة والحشمة والسرور ( يسقون من رحيق مختوم ) من خمر الجنة والرحيق من أسماء الخمر ( ختامه مسك ) خلطه مسك ؛ قال بن عباس طيب الله لهم الخمر ( وفى ذلك فليتنافس المتنافسون ) يتفاخر المتفاخرون ( ومزاجه من تسنيم ) مزاج هذا الرحيق الموصوف من تسنيم وهو أشرف شراب أهل الجنة ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) أى يستهزءون بهم ( وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ) أى رجعوا إلى بيوتهم وجدوا ما طلبوا ومع هذا لم يشكروا الله ( وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ) لكونهم على غير دينهم ( وما أُرسلوا عليهم حافظين ) أى ما بعث هؤلاء المجرمون حافظين على المؤمنين ( فاليوم ) يوم القيامة ( الذين آمنوا من الكفار يضحكون ) فى مقابلة ما ضحك به هؤلاء فى الدنيا ( على الأرائك ينظرون ) إلى الله تعالى ( هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ) أى جوزوا على ما كانوا يقابلون به المؤمنين من الإستهزاء والتنقيص أم لا ؟