تفسير الجزء السادس سورة المائدة

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ) أتى رجل إلى سيدنا عبد الله بن مسعود فقال : إعهد إلى فقال : إذا سمعت الله يقول : ” يا أيها الذين آمنوا ” فأرعها سمعك فإنه خير يأمرك به أو شر ينهى عنه ( أوفوا بالعقود ) قال بن عباس : العهود وهو ما كانوا يتحالفون عليه وقيل : ما أحل الله وحرم ( أُحلت لكم بهيمة الأنعام ) هى الإبل والبقر والغنم وفيها دليل على إباحة الجنين إذا وُجد ميتاً فى بطن أمه إذا ذُبحت فإن ذكاته ذكاة أمه ( إلا ما يُتلى عليكم ) قال بن عباس : يعنى بذلك الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك ( غير مُحلى الصيد وأنتم حُرم ) المراد بالأنعام ما يعم الإنسى من الإبل والبقر والغنم وما يعم الوحشى كالظباء فاستثنى من الإنسى ما تقدم ومن الوحشى الصيد فى حال الإحرام ( إن الله يحكم ما يريد 0 يا أيها الذين آمنوا لا تُحلوا شعائر الله ) قال بن عباس : مناسك الحج وقال مجاهد : الصفا والمروة ( ولا الشهر الحرام ) تحريمه والإعتراف بتعظيمه وترك ما نهى الله عنه ( ولا الهدى ولا القلائد ) لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام ولا تستحلوها ( ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلاً من ربهم ورضوانا ) لا تستحلوا قتال القاصدين إلى البيت الحرام ” ورضوانا ” قال بن عباس : يترضون الله بحجهم ( وإذا حللتم فاصطادوا ) إذا فرغتم من إحرامكم فقد أبحنا لكم ما كان محرم عليكم ( ولا يجرمنكم شنأن قومٍ أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ) ذلك عام الحديبية على أتتعدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) يأمر الله عباده المؤمنين على التعاون على فعل الخيرات وترك المنكرات ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) أمر من الله لهم أن يخافوا عذاب الله تعالى ( حُرمت عليكم الميتة ) هى ما مات من الحيوانات حتف أنفه من غير ذكاة ولا اصطياد ( والدم ) يعنى المسفوح ( ولحم الخنزير ) يعنى إنسيه ووحشيه واللحم يعم جميع أجزائه ( وما أُهلَّ لغير الله ) ما ذُبح وذُكر عليه غير اسم الله ( والمنخنقة ) هى التى تموت بالخنق ( والموقوذة والمتردية ) هى التى تسقط من الجبل أو تتردى ( والنطيحة ) هى التى ماتت بسبب النطح ( وما أكل السبع ) الأسد وغيره ( إلا ما ذكيتم ) عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد بسبب موته فأمكن تداركه وفيه حياة ( وما ذُبح على النُصُب ) حجارة حول الكعبة ( وأن تستقسموا بالأزلام ) قداح كانوا يستقسمون فى الأمور صنم كانت عند هُبل منصوب على بئر داخل الكعبة ( ذلكم فسق )خروج عن ما أمر به الله تعالى وقيل : تعاطيه فسق وضلال ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ) قال بن عباس يئسوا أن يُراجعوا دينهم وقيل : يئسوا من مشابهة المسلمين لما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك ( فلا تخشوهم واخشون ) لا تخافوهم من مخالفتكم إياهم واخشونى أنصركم ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) أكبر نعمة على هذه الأمة حيث أكمل الله تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبى غيره ؛ قال كعب : لون أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذى نزلت فيه عليهم فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه فقال عمر بن الخطاب : أى آية يا كعب ؟ قال : ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ” قال عمر : قد علمت اليوم الذى نزلت والمكان الذى أُنزلت فيه نزلت فى يوم جمعة ويوم عرفة وكلاهما عيد ( فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) فمن احتاج احتاج إلى تناول شئ من هذه المحرمات التى ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك فله تناوله والله غفور رحيم لأنه يعلم حاجة المضطر ( يسألونك ماذا أُحل لهم قل أُحل لكم الطيبات ) فى صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحل لهم الطيبات ويُحرم عليهم الخبائث قال سعيد : يعنى الذبائح الحلال الطيبة لهم ( وما علمتم من الجوارح مكلبين ) أى أُحل لكم الذبائح التى ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق وأُحل لكم ما اصدتموه بالجوارح وهى الكلاب والفهود والصقور ( مكلبين ) حال من الضمير فى علمتم ويُحتمل أن يكون حالاً من المفعول وهو الجوارح ( تعلمنهمنَّ مما علمكم  الله ) وهو أنه إذا أرسله استرسل وإذا أشلاه استشلى وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجئ إليه ولا يمسكه لنفسه ( فكلوا مما ذُكر اسم الله عليه )متى كان الجارح مُعلماً وأمسك على صاحبه وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت الإرسال حال الصيد وإن قتله بالإجماع ( واذكروا اسم الله عليه ) عند إرساله ( واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) خافوا الله وراقبوه ( اليوم أُحل لكم الطيبات ) لما حرم الله على عباده الخبائث وما أحله لهم من الطيبات قال بعده : ( اليوم أُحل لكم الطيبات ) ثم ذكر ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى ( وطعام الذين أُتوا الكتاب حلُُ لكم ) قال بن عباس يعنى ذبائحهم ( وطعامكم حلُُ لهم ) ويحل لكم أن تُطعموهم من ذبائحكم ( والمحصنات من المؤمنات ) أحل لكم نكاح الحرائرمن النساء المؤمنات ( والمحصنات من الذين أُتوا الكتاب من قبلكم ) حرائر أهل الكتاب ( إذا أتيتموهنَّ أُجورهنَّ ) أى مهورهنَّ ( محصنين غير مُسافحين ولا مُتخذى أخدان ) وهنَّ العشيقات ( ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو فى الأخرة من الخاسرين ) من يكفر بالله فقد بطل عمله الذى عمله فى الخير فى الدينا وهو من الهالكين فى الأخرة ( يا ايها الذين آمنوا إذا قُمتم إلى الصلاة ) يعنى وأنتم محدثون وقيل : إذا قمتم من النوم إلى الصلاة ( فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ) أى مع المرافق ( وامسحوا برءوسكم ) اختلفوا فى الباء هل هى لوفلصاق وهو الأظهر أو للتبعيض وفيه نظر على قولين من الأصولين من قال : هذا محمل فليرجع فى بيانه إلى السُنة ( وارجلكم إلى الكعبين ) خفضاً على المسح وهو الدلك ونصباً على الغثسل فأوجبهما أخذاً بالجمع بين هذا وهذا ( وإن كنتم جُنُباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماءاً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه  ) تفسير سورة النساء ( ما يُرييد الله ليجعل عليكم من حرج ) أى فلهذا سهل عليكم ولم يُعسر ( ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) تشكرون نعم الله عليكم فيما شرع لكم ( وإذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا ) هذه هى البيعة التى كانوا يبايعون رسول الله عليها عند إسلامهم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وأثره علينا وأن لا ننازع الأمر أهله ( واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) ما تُكن صدوركم ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله ) أى قائمين بالحق لله عز وجل ( شُهداء بالقسط ) أى بالعدل لا بالجور ( ولا يجرمنكم شنأن قومٍ على أن لا تعدلوا ) لا يحملنكم بُغض قوم على ترك العدل ( إعدلوا هو أقرب للتقوى ) أى عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه ( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) سيجزيكم على ما علم من أفعالكم التى عملتموها ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ) لذنوبهم ( وأجرُُ عظيم ) هو الجنة ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ) هذا من عدل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم ) عن أم سلمة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً وتفرق الناس فى العضاة سيتظلون تحتها وعلق رسول الله سلاحه بشجرة فجاء أعرابى إلى سيف رسول الله فسله ثم أقبل على رسول الله فقال : من يمنعك منى ؟ قال : الله عز وجل قال الأعرابى مرتين أو ثلاث قال فشام الأعرابى السيف فدعا رسول الله أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابى وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه ( واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) من توكل على الله كفاه

* ( ولقد أخذ الله ميثاق بنى إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيباً ) أى عُرفاء على قبائلهم بالسمع والطاعة لله ولرسول ولكتابه وذلك لما توجه موسى عليه السلام لقتال الجبابرة فأُمر أن يُقيم نقباء من كل سبط نقيب وهكذا لما بايع رسول الله الأنصار ليلة العقبة كان فيهم اثنى عشر نقيباً ثلاثة من الأوس وتسعة من الخزرج ( وقال الله إنى معكم ) بحفظى ونصرى ( لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلى وعزرتموهم ) صدقتموهم ونصرتموهم على الحق ( وأقرضتم الله قرضاً حسنا ) هو الإنفاق فى سبيل الله ( لأُكفرنَّ عنكم سيئاتكم ) ذنوبكم وأمحوها ( ولأُدخلنَّكم جنات تجرى من تحتها الأنهار ) أدفع عنكم المحظور وأحصل لكم المقصود ( فمن كفر بعد ذلك فقد ضل سواء السبيل ) فمن خالف هذا الميثاق بعد عقده فقد أخطأ الطريق وعدل عن الحق إلى الضلال ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم ) أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى ( وجعلنا قلوبهم قاسية ) لا يتعظون بموعظة ( ونسوا حظاً مما ذُكروا به ) تركوا العمل به رغبة عنه ( ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم ) يعنى مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك ( فاعف عنهم واصفح ) هذا هو عين النصر ( إن الله يحب المحسنين ) الصفح عن من أساء إليك ( ومن الذين قالوا إنَّا نصارى أخذنا ميثاقهم ) أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فنسوا حظاً مما ذُكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) ألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم البعض ويلعن بعضهم البعض ( وسوف يُنبئهم الله بما كانوا يصنعون ) تهديدا ووعيد على نا ارتكبوا من الكذب على الله ورسوله ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يُبين لكم كثيراً مما كنتم تُخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير )


المزيد في: تفسير

اترك تعليقاً