تفسير الجزء الثامن والعشرون سورة الحشر

قال تعالى : ( سبح لله ما فى السماوات وما فى الأرض ) مجد وقدس ( وهو العزيز ) المنيع فى جنابه ( الحكيم ) فى قدره وشرعه ( هو الذى أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب ) هم يهود بنو النضير أعطاهم رسول الله عهداً أن لا يُقاتلهم ولا يقاتلونه فنقضوا العهد فحل بهم بأس الله ( من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا ) أى فى مدة حصاركم لهم وكانت ستة أيام ( وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) أى جاءهم من أمر الله ما لم يكن لهم فى بال (  وقذف فى قلوبهم الرعب ) أى الخوف والهلع والجزع ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار ) أى تفكروا فى عاقبة من خالف أمر الله ورسوله وكذَّب كتابه كيف يحل به من بأسه المخزى لهم فى الدنيا والأخرة ( ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم فى الدنيا ولهم فى الأخرة عذاب النار ) لولا أن كتب الله عليهم النفى من ديارهم وأموالهم لكان لهم عند الله عذاب آخر من قتل وسبى إلى جانب ما لهم فى الأخرة (ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) إنما فعل الله بهم ذلك لأنهم خالفوا الله ورسوله وكذبوا الله ورسوله ( من يشاق الله فإن الله شديد العقاب ) تهديد ووعيد لمن خالف أمر الله ( ما قطعتم من لينة ) هو التمر الجيد ( أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليُخزى الفاسقين ) عن بن عباس قال يستنزلونهم من حصونهم وامروا بقطع النخل فحاك فى صدورهم فقال المسلمون : قطعنا بعضه وتركنا بعضه لنسألنَّ رسول الله عن ذلك فنزلت الآية ( وما أفاء الله على رسوله منهم ) الفئ كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب كاموال بنى النضير ( فما اوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) الإبل ( ولكن الله يسلط رسوله على من يشاء والله على كل شئ قدير ) لا يُغالب ولا يُمانع بل هو القاهر لكل شئ ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) اى جميع البلدان التى تفتح ( فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وبن السبيل ) كان الله تعالى أفاء على رسوله أموال بنى النضير فوالله ما استاثر بها عليكم ولا أحرزها دونكم فكان رسول الله يأخذ منها نفقته وأهله ويجعل ما بقى غسوة بالمال (  كى لا يكون دُولة بين الأغنياء منكم ) جعلنا هذه المصارف لمال الفئ كيلا يبقى ماكلة يتغلب عليه الأغنياء ويتصرفون فيها بمحض الهواء ( وما ءاتكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )لامهما أمركم به فافعلوا ومهما نهاكم عنه فانتهوا ( واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) اتقوه بالإمتثال لأمره واجتناب نهيه ( للفقراء المهاجرين ) الفقراء المستحقون لمال الفئ أنهم ( الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا ) أُخرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم ( وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ) وهم سادات المهاجرين ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ) بي الله تعالى فضل الأنصار وشرفهم وكرمهم يحبون من سكن دار الهجرة ويكرمونهم ( ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أُوتوا ) أى حسداً للمهاجرين فيما فضلهم الله به ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) يقدمون المحاويج على أنفسهم ولو كان بهم حاجة ( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) من سلم من الشح فقد أفلح ونجح والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل فى قلوبنا غلاً) لا تجعل فى قلوبنا حسداً (  للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) قال مالك : الرافضى الذى يسب الصحابة ليس له فى مال الفئ نصيب لعدم اتصافه بما مدح الله به هؤلاء ( ألم تر إلى الذين نافقوا ) كعبد الله بن سلول ومن شاكله من اليهود ( يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أُخرجتم لنخرجنَّ معكم ولا نُطيع فيكم أحداً أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون ) فيما وعدوهم به إما انهم قالوا لهم قولاً وفى نيتهم أن لا يفوا لهم به وإما لأنهم لا يقع منهم الذى قالوه ( لئن أُخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قُتلوا لا ينصرونهم ) اى لا يُقاتلون معهم ( ولئن نصروهم ليولُنَّ الأدبار ثم لا يُنصرون ) أى إن قاتلوا معهم سيولون الأدبار ( لأنتم أشد رهبة فى صدورهم من الله ) يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله ( ذلك بأنهم قوم لا يفقهون 0 لا يُقاتلونكم جميعاً إلا فى قرى محصنة أو من وراء جُدُر ) يعنى أنهم من جُبنهم وهلعهم لا يقدرون على مواجهة جيش الإسلام بالمبارزة والمقاتلة إما فى الحصون أو من وراء الجُدُر ( بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ) تراهم مجتمعين مؤتلفين وهم مختلفون غاية الإختلاف ( ذلك بأنهم قوم لا يعقلون 0 كمثل الذين من قبلهم قريباً ذاقوا وبال أمرهم ) قال السدى : كمثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر مثل اليهود فى اغترارهم بالذين هم وعدوهم بالنصر من المنافقين  (ولهم عذاب أليم ) مؤلم فى الأخرة ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسا اكفر فلما كفر قال إنى برئ منك إنى أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما فى النار خالدين فيها  ) مصيرهما إلى نار جهنم خالدين فيها ( وذلك جزاء الظالمين ) اى جزاء كل ظالم ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله ) هو يشمل فعل كل ما أمربه وترك ما عنه زجر ( ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ ) حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ( واتقوا الله ) تأكير ثان ( إن الله خبير بما تعملون ) اعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله من قبل فأنساهم أنفسهم) أى لا تنسوا ذكر الله فيُنسيكم العمل (  أولئك هم الفاسقون ) الخارجون عن طاعة الله تعالى ( لا يستوى أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) لا يستوى من أطاع الله مع من عصى الله تعالى ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) إذا كان الجبل فى غلظته وقساوته لو فهم القرآن وتدبر فيه لخشع وتصدع فكيف يليق بكم أيها البشر أن لا تلين قلوبكم لذكر الله ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) لما صنعوا لرسول الله منبراً من خشب وقد كان يخطب على جزع فلما وضع المنبر أول ما وضع وجاء رسول الله ليخطب وجاوروا الجزع إلى نحو المنبر فعنئذ حن الجزع وجعل يئن كما يئن الصبى الذى يسكت لما كان يسمع من الذكر والوحى عنده قال الحسن البصرى : فأنتم أحق أن تشتاقوا لرسول الله من الجزع ( هو الله الذى لا  إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ) أخبر تعالى أنه لا إله إلا هو فلا رب سواه وأنه عالم الغيب والشهادة ( هو الرحمن الرحيم 9 ذو رحمة واسعة لجميع المخلوقات ( هو الله الذى لا إله إلا هو الملك ) المالك لجميع الأشياء المتصرف فيها بلا ممانعة ( القدوس ) الطاهر ( السلام ) السالم من جميع العيوب والنقائص ( المؤمن9 قال بن عباس : أمنَّ خلقه من  أن يظلمهم (  المهيمن ) الشاهد على خلقه بأعمالهم وهو رقيب عليهم ( العزيز ) عزَّ كل شئ وقهره وغلب الأشياء فلا ينال جنابه لعزته وعظمته ( الجبار المتكبر ) لا تليق الجبرية إلا له ولا التكبر إلا لعظمته ( سبحان الله عما يُشركون 0 هو الله الخالق البارئ المصور ) الخلق والتقدير والبراء إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون على الصفة التى يريد ( له الأسماء الحُسنى ) قال صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدة من أحصاها دخل الجنة ) ( يسبح له ما فى السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم  ) عزيز فلا يرام جنابه حكيم فى شرعه وقدره 


المزيد في: تفسير

اترك تعليقاً