تفسير الجزء الثامن والعشرون سورة الممتحنة

سبب نزول السورة أن سيدنا حاطب بن أبى بلتعة وهو من المهاجرين ومن أهل بدر كان له بمكة أولاد ولم يكن من قريش نفسها بل كان حليفاً لعثمان عزم رسول الله على فتح مكة لما نقض أهلها العهد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال : ( اللهم إعم عليهم خبرنا ) فعمد حاطب فكتب كتاباً وبعثه مع امرأة من قريش يعلمهم بما عزم عليه رسول الله فأطلع الله ذلك لرسوله فبعث فى إثر المرأة فأخذ منها الكتاب وفيه نزلت الاية قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) ( يُخرجون الرسول وإياكم ) اخرجوا الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهية لما هم عليه من التوحيد والإخلاص لله تعالى ( أن تؤمنوا بالله ربكم ) أى لم يكن لكم عندهم ذنب إلا غيمانكم بالله ( إن كنتم خرجتم جهاداً فى سبيلى وابتغاء مرضاتى ) إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم اولياء ( تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ) تفعلوا ذلك وانا العالم بالسرائر والضمائر ( ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل 0 إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم والسنتهم بالسوء ) لو قدروا عليكم ماتقوا فيكم من أذى ينالكم به بالمقال والفعل ( وودوا لو تكفرون ) يحرصون على أن لا تنالوا خيراً فهم عداوتهم لكم كامنة وظاهرة ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير ) أى قرابتكم لا تنفعكم عند الله إذا أراد الله بكم سوء ( قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه ) أى وأتباعه الذين آمنوا معه ( إذ قالوا لقومهم إنا بُرءا منكم ) اى تبرأنا منكم ( ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم ) أى بدينكم وطريقتكم ( وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً ) قد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ما دمتم على كفركم ( حتى تؤمنوا بالله وحده ) أى توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له ( إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرنَّ لك ) أى ليس لكم فى ذلك أسوة فى الإستغفار للمشركين ( وما أملك لك من الله من شئ ) لا أغنى عنك من الله شئ ( ربنا عليك توكلنا وإليك انبنا وإليك المصير ) أى توكلنا عليك فى المور كلها وسلمنا لك الأمور وإليك الميعاد فى الأخرة ( ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ) قال مجاهد : لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك ( واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم ) استر ذنوبنا عن غيرك واعف عنا والعزيز هو الذى لا يُضام من لاذ بجنابه والحكيم فى قوله وفعله ( ( لقد كان لكم فيهم اسوة حسنة ) تاكيد لما تقدم (لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر ) تهييج إلى ذلك لكل مؤمن بالله والمعاد  ( ومن يتول ) عما أمر الله به ( فإن الله  هو الغنى الحميد ) قال بن عباس : الغنى الذى قد كمل فى غناه وهذه صفة لا تنبغى إلا لله تعالى ( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ) أى محبة بعد البغض وعودة بعد النفرة ( والله قدير ) على ما يشاء ( والله غفور رحيم ) يغفر للكافرين كفرهم إذا تابوا إلى ربهم وأسلموا قال مقاتل بن حيان ك نزلت فى أبى سفيان بن حرب تزوج رسول الله صلى الله ابنته ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلوكم فى الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين  ) نزلت فى قُتيلة زوجة أبى بكر الصديق وكانت مشركة جاءت إلى ابنتها أسماء بنت أبى بكر بهدايا فأبت أسماء أن تقبلها حتى سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى الآية ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ) إنما ينهاكم الله عن موالاة الذين ناصبوكم العداء وأخرجوكم من دياركم ( ومن يتولهم فأولئك هو الظالمون ) المتجاوزون الحد مع الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهنَّ الله أعلم بإيمانهنَّ ) نزلت فى ام كلثوم بنت عقبة بن أبى معيط فى الهجرة فخرج أخوها عمارة والوليد حتى قدما إلى رسول الله فكلماه فى أن يردها فنقض الله العهد بينه وبين المشركين فى النساء خاصة فمنعهم أن يردهم للمشركين وانزل الله آية الإمتحان كان رسول الله يسألهم بالله ما أخرجكم بغض زوج وبالله ما خرجتم رغبة عن أرض إلى أرض وبالله ما خرجتم التماس دنيا بالله ما خرجتم إلا حباً لله ورسوله ( فإن علمتموهنَّ مؤمنات فلا تُرجعوهنَّ إلى الكفار ) فيه دلالة أن الإيمان يمكن الإطلاع عليه يقيناً ( لا هنَّ حل لهم ولاهم يحلون لهنَّ ) هذه الآية حرمت زواج المسلمات على المشركين وقد كان ذلك جائزاً اول الإسلام ( وءاتوهم ما أنفقوا ) يعنى أزواج المهاجرات من المشركين ادفعوا إليهم الذى غرموه عليهنَّ من الصدقة ( ولا جناح عليكم أن تنكحوهنَّ إذا ءاتيتموهنَّ أُجورهنَّ ) إذا أعطيتموهنَّ أصدقتهنَّ فزوجوهنَّ بشرطه من انقضاء العدة ( ولا تُمسكوا بعصم الكوافر ) تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات والإستمرار معهنَّ ( واسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ) طالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللآتى يذهبنَّ إلى الكفار ( ذلكم حكم الله يحكم بينكم ) أى فى الصلح واستثنى النساء منه ( والله عليم حكيم ) عليم بما يصلح لعباده ( وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم ) قال قتادة ك هذا فى الكفار الذين ليس لهم عهد إذا فرت المرأة ولم يدفعوا إلى زوجها شيئاً فإذا جاءت منهم امرأة لا يدفع إلى زوجها شيئاً حتى يدفع إلى زوج الذاهبة إليهم ( فعاقبتم ) أصبتم غنيمة من قريش ( فئاتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ) يعنى مهر المثل واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون ) ( يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يُشركنَّ بالله شيئاً ولا يسرقنَّ ولا يزنين ولا يقتلنَّ أولادهنَّ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهنَّ وأرجلهنَّ ولا يعصينك فى معروف فبايعهنَّ واستغفر لهن َّ الله إن الله غفور رحيم ) قال عروة : قالت عائشة : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله : بايعتك كلاماً ولا والله ما مست يده يد امرأة فى المبايعة قط ما يبايعهنَّ إلا بقوله قد بايعتك ( ولا يأتينَّ ببهتان يفترينه بين أيديهنَّ وأرجلهنَّ ولا يعصينك فى معروف ) قال : منعهنَّ أن ينحَّ وكان أهل الجاهلية يمزقنَّ الثياب ويخدشنَّ الوجوه قال بن عباس : لا يلحقنَّ بأزواجهنَّ غير أولادهم يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم ) يعنى اليهود والنصارى وسائر الكفار ( قد يئسوا من الأخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور ) فيه قولان 1- يئس الكفار الأحياء من قرابتهم الذين فى القبور أن يجتمعوا بهم 2- كما يئس الكفار الذين هم فى القبور 


المزيد في: تفسير

اترك تعليقاً