تفسير الجزء الثامن والعشرون سورة المجادلة

قال تعالى : ( قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) عن عائشة رضى الله عنها قالت : تبارك الذى أوعى سمعه كل شئ إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى على بعضه وهى تشتكى لرسول الله وتقول أكل مالى وأفنى شبابى ونثرت له بطنى حتى إذا كبرت سنى وانقطع ولدى ظاهر منى اللهم إنى أشكوا إليك قالت : فما برحت حتى نزل جبريل (  قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ) (  الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنَّ أمهاتهم إن أمهاتهم إلا الأئى ولدنهم وإنهم ليقولون منكراً من القول وزورا وغن الله لعفو غفور ) أصل الظهار مشتق من الظهر وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها : أنت على كظهر أمى ثم فى الشرع كان الظهار فى سائر الأعضاء وكان فى الجاهلية طلاقاً فرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه الكفارة ولم يجعله طلاقاً (    والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) قالت : وأى رقبة لنا ما نجد والله ما يجد رقبة غيرى ( ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير  فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ) قالت : والله لولا أنه يشرب فى اليوم ثلاث مرات لذهب بصره ( فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكياً ) قالت : من أين ما هى إلا أكلة إلى مثلها قال : فدعا بشطر وسق والوسق ستون صاعاً فقال : ليطعم ستين مسكيناً وليراجعك 

اختلف السلف فى قوله تعالى ( ثم يعودون لما قالوا ) قال بعضهم : العود إلى لفظ الظهار فيكرره وهو قول بن حزم وقال الشافعى : أن يمسكها بعد المظاهرة زمناً يمكنه أن يطلق فيه فلا يُطلق وقال أحمد : هو العود إلى الجماع ( من قبل أن يتماسا ) المس النكاح ( فتحرير رقبة ) أى عتق رقبة كاملة قبل أن يمسها ( ذلكم توعظون به ) أى تزجرون به ( والله بما تعملون خبير ) بما يصلح لكم أحوالكم ( فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله ) أى شرعنا ( وتلك حدود الله ) محارمه فلا تنتهكوها ( وللكافرين عذاب أليم ) فى الدنيا والأخرة ( إن الذين يحادون الله ورسوله ) عاندوا شرعه ( كُبتوا كما كُبت الذين من قبلهم ) أُهينوا ولعنوا كما فُعل بأشباههم ( وقد أنزلنا آيات بينات ) واضحات لا يخالفها إلا كافر فاجر ( وللكافرين عذاب مهين  ) مقابل استكبارهم عن اتباع الحق ( يوم يبعثهم الله جميعاً فينبئهم بما عملوا ) يبعثهم الله يوم القيامة فيخبرهم بالذى صنعوا من خير ومن شر ( أحصاه الله ونسوه ) أى ضبطه الله وحفظه عليهم وهم قد نسوه ( والله على كل شئ شهيد  ) لا يغيب عنه شئ ولا يخفى ( ألم تعلم أن الله يعلم ما فى السماوات وما فى الأرض ) يعلم جميع ما فى السماوات والأرض ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ) ما يكون من سر بين ثلاثة أو أربعة أوغير ذلك إلا هو مطلع عليهم يسمع كلامهم وسرهم ( ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شئ عليم  ) يخبر بما عملوا يوم القيامة فهو عالم بكل شئ سبحانه ( ألم ترى إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نُهوا عنه ) قال مجاهد : هم اليهود كان بينهم وبين رسول الله موادعة وكان إذا مر بهم الرجل من أصحاب رسول الله يتناجون حتى يظن الرجل أنهم يتناجون بقتله فنهاهم رسول الله عن ذلك فلم ينتهوا ( ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول) يتحدثون فيما بينهم بالإثم وهو ما يختص بهم والعدوان هو ما يتعلق بغيرهم (  وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله ) عن عائشة قالت : دخل على رسول الله يهود فقالوا : السام عليك يا أبا القاسم فقالت عائشة وعليكم السام فقال رسول الله : ( يا عائشة إن الله لا يحب الفاحش ولا التفحش أوما سمعتى أقول وعليكم  ) ( ويقولون فى أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول ) يفعلون هذا ويقولون ما يحرفون من الكلام وإيهام السلام وإنما هو شتم فى الباطن ( حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير ) كفايتهم الدار الأخرة يدخلونها فبئس المجع (  يا أيها الذين أمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ) كما يتناجى الجهلة من أهل الكتاب (  وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذى إليه تحشرون  ) ترجعون إليه فيخبركم بأعمالكم ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين أمنوا ) النجوى المساراة حتى يتوهم مؤمن بها سوء ما يصدر عن المتناجين عن تسويل الشيطان ( وليس بضارهم شئ إلا بإذان الله ) من أحس بذلك فليستعذ بالله وليتوكل على الله فإنه لا يضره شئ بإذن الله ( وعلى الله فيلتوكل المؤمنون ) يتوكل أهل الإيمان على الله تعالى (  يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا فى المجالس فافسحوا يفسح الله لكم ) أمر من الله تعالى للمؤمنين ان يحسنوا بعضهم إلى بعض وذلك أن الجزاء من جنس العمل ( وإذا قيل انشزوا فانشزوا ) غذا دثعيتم إلى خير فأجيبوا ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) لا تعتقدوا أنه إذا فسح أحدكم لأخيه أن ذلك نقص فى حقه بل هو رفعة ورتبة عند الله تعالى (والله بما تعملون خبير  ) أى خبير بمن يستحق ( يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ) قدموا صدقة تزكية وتطهير لكم ( ذلكم خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ) أى من عجز عن ذلك لفقره فإن الله ما أمر بها إلا من قدر عليها (  أأشفقتم أن تُقدموا بين يدى نجواكم صدقات) أى إذا خفتم من استمرار هذا الحكم عليكم من وجوب الصدقة قبل مناجاة رسول الله (  فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الذكاة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون  ) فنسخ ذلك وجوباً عليهم قيل : لم يعمل بهذه الآية قبل نسخها إلا سيدنا على رضى الله عنه ( الم ترى إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ) يعنى اليهود ( ماهم منكم ولا منهم ) وهم المنافقون ليسوا من أهل الإيمان (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون )يعلمون أنهم كاذبون ( أعد الله لهم لهم عذاباً شديداً إنهم ساء ما كانوا يعملون ) أرصد الله لهم العذاب الليم على هذا الصنيع ( اتخذوا أيمانهم جُنة فصدوا عن سبيل الله ) أى أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ( فلهم عذاب مهين ) مقابل ما امتهنوا من الحلف باسم الله فى الأيمان الكاذبة ( لن تُغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً ) لن يدفع ذلك عنهم بأساً إذا جائهم ( أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) مخلدون فى نار جهنم ( يوم يبعثهم الله جميعاً ) يحشرهم يوم القيامة عن آخرهم فلا يغادر منهم أحد ( فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شئ ) يحلفون بالله أنهم كانوا على الهدى والإستقامة كما كانوا يحلفون فى الدنيا ألا إنهم هم الكاذبون  ) أخبر عنهم أنهم كاذبون ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ) استحوذ على قلوبهم حتى أنساهم ذكر الله ( أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) عاقبة ذلك تعود عليهم ( إن الذين يحادون الله ورسوله) مجانبون الحق مشاقون له هم فى ناحية والهدى فى ناحية (  أولئك فى الاذلين ) الأشقياء المبعدين المطرودين ( كتب الله لأغلبنَّ أنا ورسُلى إن الله قوى عزيز ) هذا حكم الله كتبه فى كتابه الأول أن النصرة لله ولرسوله وللمؤمنين هو القوى غالب على أعدائه (  لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الأخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) لا يوادون المحادين لله ولرسوله ولو كانوا من الأقربين ( أولئك كتب فى قلوبهم اإيمان وأيدهم بروح منه ) أى من اتصف بأنه لا يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أباه فهذا ممن كتب الله فى قلوبهم الإيمان وقاهم به ( ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضى الله عنهم ورضوا عنه ) اعطاهم من النعيم المقيم والفضل العظيم ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )أى عباد الله وأهل كرامته هم المفلحون الفائزون 


المزيد في: تفسير

اترك تعليقاً