تفسير الجزء الثامن والعشرون سورة الطلاق

قال تعالى : ( يا أيها النبى إذا طلقتم النساء فطلقوهنَّ لعدتهنَّ ) عن أنس بن مالك قال : طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضى الله عنها فأتت اهلها فأنزل الله الأية فقيل له : راجعها فإنها صوَّامة قوَّامة وهى من أزواجك ونسائك فى الجنة ( فطلقوهنَّ لعدتهنَّ ) قال عبد الله بن عباس : الطُهر من غير جماع فلا يُطلقها وهى حائض ولا فى طُهر قد جامعها فيه ولكن يتركها حتى إذا حاضت وطهرت طلقها تطليقة ( وأحصوا العدة ) اعرفوا إبتدائها وانتهائها لئلا تطول العدة على المرأة ( واتقوا الله ربكم ) أى فى ذلك الأمر ( ولا تُخرجوهنَّ من بيوتهنَّ ولا يخرجنّ ) أى فى مدة العدة لها حق السكنى على الزوج ما دامت فى مدة العدة ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) الزنا أو بذت فى أهل الرجل وآذتهم فى الكلام ( وتلك حدود الله ) شرائعه ومحارمه ( ومن يتعد حدود الله ) يخرج منها ( فقد ظلم نفسه ) بفعل ذلك ( لا تدرى لعل الله يُحدث بعد ذلك أمر ) بقيت الزوجة فى البيت لعل الزوج يندم على طلاقها ويخلق الله فى قلبه الرُجعة (  فإذا بلغنَّ أجلهنَّ فأمسكوهنَّ بمعروف أو فارقوهنَّ بمعروف ) إذا بلغت المعتدات أجلهنَّ وشارفنَّ على انقضاء العدة فحينئذ إما أن يعزم الزوج على إمساكها وهو رجعتها إلى عصمته ( بمعروف ) أى محسناً إليها فى صحبتها وإما أن يعزم على مفارقتها بمعروف من غير مقابحة ( وأشهدوا ذوى عدل منكم ) أشهدوا على الرُجعة إذا عزمتم عليها ( وأقيموا الشهادة لله ) اجعلوها لله تعالى ( ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الأخر ) هذا الذى امرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة وأن يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الأخر ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) من يتقى الله فيما أمرنا به ونهينا عنه يجعل له من أمره مخرجاً ويرزقه من حيث لا تخطر بباله ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا استعنت فاستعن بالله ) ( إن الله بالغ أمره ) منفذ قضاياه وأحكامه فى خلقه ( قد جعل الله لكل شئ قدرا ) أى مقدار محدد ( واللائى يئسنَّ من المحيض من نساءكم ) الآيسة هى التى انقطع عنها المحيض لكبرها فلها ثلاثة أشهر عوضاً عن الثلاثة قروء وكذا الصغار اللائى لم يحضنَّ  إن ارتبتم فعدتهنَّ ثلاثة أشهر واللائى وأولات الأحمال أجلهنَّ أن يضعنَّ حملهنَّ ) من كانت حاملاً فعدتها بوضع حملها ولو كان بعد طلاق أو موت بفواق ناقة فى قول الجمهور قال بن عباس فى المتوفى عنها زوجها أنها تعتد بأبعد الأجلين من الوضع والأشهر وقيل : هى المطلقة أو المتوفى عنها زوجها ( ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا  ) أى يُسهل له أمره ويجعل له فرجاً (  ذلك أمر الله أنزله إليكم ) أى حكمه وشرعه انزله إليكم بواسطة رسوله صلى الله عليه وسلم (ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويُعظم له أجرا ) فى أمره ونهيه يُعظم له الثواب والأجر ( أسكنوهنَّ من حيث سكنتم ) أمر الله عباده إذا طلق أحدهم المرأة أن يُسكنها فى منزل حتى تنقضى عدتها ( من وجِدكم ) قال بن عباس سعتكم ( ولا تُضارُهنَّ لتُضيقوا عليهنَّ ) قال مقاتل : يعنى يضجرها لتفتدى منه بمالها أو تخرج من مسكنه ( وإن كنَّ أولات حمل فأنفقوا عليهنَّ حتى يضعن حملهنَّ ) قال بن كثير : من العلماء من قال أن الرُجعة تُجب نفقتها سواء أكانت حاملاً أو حائلاً ( فإن أرضعنَّ لكم ) إذا وضعنَّ حملهنَّ وهنَّ طوالق فقد بنَّ بانقضاء عدتهنَّ ولها حينئذ أن تُرضع ولدها ولها أن تمتنع لكن بعد أن تُغذيه باللبأ وهو باكورة اللبن الذى لا قوام للمولود غالباً إلا به ( فأتوهنَّ أُجورهنَّ وأتمروا بينكم بمعروف ) ولتكن أموركم بينكم بالمعروف من غير إضرار ولا مضارة ( وإن تعاسرتم فسترضع له أُخرى ) إن اختلف الرجل والمرأة فطلبت المرأة أجرة الرضاع كثيراً ولم يُجبها الرجل إلى ذلك أو بذل الرجل قليلاً ولم توافقه عليه فليسترضع له غيرها فلو رضيت الأم بما استؤجرت به الأجنبية فهى أحق بولدها ( لِيُنفق ذو سَعة ٍ من سعته ) ليُنفق الوالد على ولده بحسب قدرته ( ومن قُدِرَ عليه رزقه فليُنفق مما أتاه الله لا يُكلف الله نفساً إلا ما آتاها ) سأل عمر بن الخطاب عن أبى عبيدة فقيل له : إنه يلبس الغليظ من الثياب ويأكل أخشن الطعام فبعث إليه بألف دينار وقال للرسول انظر ما يصنع بها إذا هو أخذها فما لبث أن لبس اللين من الثياب وأكل من أطيب الطعام فجاءه رسول الله فأخبره فقال : رحمه الله تعالى ( سيجعل الله بعد عُسرٍ يُسرا ) وعد منه تعالى ( و كأين من قرية عتت عن أمر ربها ورُسله ) أى تمردت وطغت واستكبرت عن اتباع أمر الله تعالى ورُسله ( فحاسبناها حساباً شديدا وعذبناها عذاباً نُكرا ) أى منكراً وفظيعاً ( فذاقت وبال أمرها ) أى ندموا حيث لا ينفعهم الندم ( وكان عاقبة أمرها خُسرا 0 أعد الله لهم عذاباً شديداً ) فى الدنيا والأخرة ما حل لهم من العذاب فى الدنيا ( فاتقوا الله يا أولى الألباب الذين آمنوا ) الألباب أى الأفهام المستقيمة ( قد انزل الله إليكم ذكرا ) القرآن الكريم رسولاً يتلوا عليكم آيات الله مبينات) فى حال كونها واضحة جلية (  ليُخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ) من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الإيمان والعلم ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يُدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا 0الله الذى خلق سبع سماوات) قال بن مسعود ما السماوات السبع وما فيهنَّ وما بينهنَّ والأرضون السبع وما فيهنَّ وما بينهنَّ فى الكرسى إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة (  ومن الأرض مثلهنَّ ) سبع أرضين  ( يتنزل الأمر بينهنَّ لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وأن الله قد أحاط بكل شئ علما    )ينزل فيهنَّ أمر الله تعالى لتعلموا أن الله عز وجل علمه قد أحاط بكل شئ


المزيد في: تفسير

اترك تعليقاً