تفسير الجزء التاسع والعشرون سورة الإنسان

قال تعالى : ( هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا ) يخبر الله عن الإنسان أنه أوجده بعد أن لم يكن شيئاً يذكر لحقارته وضعفه ( إنَّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج ) أمشاج أى أخلاط و هو ماء الرجل والمراة إذا اجتمعا واختلطا ( نبتليه ) نختبره ( فجعلناه سميعاً بصيرا ) ذا سمع وبصر ( إنَّا هديناه السبيلا إمَّا شاكراً وإما كفورا ) بينا له طريق الخير والشر وقيل : خروجه من الرحم ( إنَّا أعتدنا للكافرين سلاسلاً وأغلآلأ وسعيرا ) السعير هو اللهب والحريق نار جهنم ( إنَّ الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا ) الكافور ما فيه من تبريد ورائحة طيبة ( عيناً يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا ) هذا الذى مزج لهؤلاء الأبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفاً بلا مزاج ويروون بها ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا ) يتعبدون لله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات وما أوجبوا على أنفسهم من النذر ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا ) المسكين هو الذى يملك قوت يومه أما اليتيم هو من فقد أباه أو عائله والأسير من أهل القبلة ( إنَّما نطعمكم لوجه الله ) رجاء ثواب الله تعالى ورضاه ( لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا ) لا نطلب منكم مجازاة تكافئوننا بها ( إنَّا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا ) قال بن عباس عبوساً ضيقاً قمطريرا طويلاً وقال مجاهد عابس الشفتين قابض الوجه بالعبوس ( فوقاهم الله شر ذلك اليوم ) أمنهم مما خافوا منه ( ولقاهم نضرة وسرورا ) فى وجوههم وسروراً فى قلوبهم ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) أى بسبب صبرهم أعطاهم الجنة منزلاً رحباً وعيشاً رغداً ( متكئين فيها على الأرائك ) الإتكاء هو الإضطجاع أو التربع والتمكن على الأسرة ( لا يرون فيها شمساً ولا زمهريرا ) ليس عندهم حر ولا برد مؤلم ( ودانية عليهم ظلالها ) قريبة منهم أغصانها ( وذللت قطوفها تذليلا ) دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه ( ويُطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا ) يطوف عليهم الخدم بأوانى الطعام وهى من فضة ( قوارير من فضة ) قال بن عباس : بياض الفضة فى صفاء الزجاج والقوارير ( قدروها تقديرا ) قدرها الله تعالى لا تزيد عنه ولا تنقص بل هى معدة  لذلك ( ويسقون فيها كأساً كان مزاجها زنجبيلا ) ممزوجة تارة بالكافور وهو بارد وتارة بالزنجبيل وهو حار ( عيناً فيها تُسمى سلسبيلا ) اسم عين فى الجنة ( ويَطُوف عليهم ولدان مخلدون ) يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة ( إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثورا ) أحسن من اللؤلؤ المنثور ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيرا ) إذا رأيت يا محمد هناك فى الجنة نعيماً ومملكة لله هناك عظيمة وسلطان باهر ( عاليهم ثياب سُندُس خُضُر واستبرق ) لباس أهل الجنة الحرير ومنه سندس وهو رفيع الحرير والإستبرق ما فيه لمعان وبريق ( وحُلوا أساور من فضة ) هذه صفة الأبرار ( وسقاهم ربهم شرباً طهورا ) طهر بواطنهم من الحسد والحقد ( إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكورا ) يقال لهم ذلك تكريماً لهم ( إنَّا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ) يقول الله تعالى ممتناً على رسوله بما أنزله عليه من القرآن ( فاصبر لحكم ربك ولا تُطع منهم ءاثماً او كفورا ) اصبر على قضائه وقدره ولا تطع الكافرين والمنافقين والآثم هو الفاجر ( واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ) من أول النهار وآخره ( ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلاً طويلا ) أمر من الله لرسوله بكثرة السجود والتسبيح لله تعالى (إنّ هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوماً ثقيلا ) يعنى يوم القيامة ( نحن خلقناهم وشددنا أسرهم ) قال ماهد : يعنى خلقهم ( وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ) بعثناهم يوم القيامة وبدلناهم فأعدناهم خلقاً جديدا ( إنَّ هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ) إن هذه السورة تذكرة فمن أراد أن يتخذ إلى ربه طريقاً ومسلكاً أو من شاء اهتدى ( وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) لا يقدر أحد على هداية نفسه ولا يجر لنفسه نفعاً ولا ضرراً ( إنَّ الله كان عليماً حكيما 0 يُدخل من يشاء فى رجمته والظالمين أعد لهم عذاباً أليما ) أى يهدى من يشاء ويضل من يشاء


المزيد في: تفسير

اترك تعليقاً