تفسير الجزء الثامن والعشرون سورة الجمعة
قال تعالى : ( يسبح لله ما فى السماوات وما فى الأرض الملك القدوس ) يُخبر تعالى انه يسبح له ما فى السماوات والارض أى جميع الكائنات ناطقها وجامدها فهو مالك السماوات والأرض المتصرف فيها بحكمه وهو المقدس المنزه عن النقائص ( العزيز الحكيم هو الذى بعث فى الأميين رسولاً منهم ) الأميون هم العرب وتخصيصهم بالأميين بالذكر لا ينفى من عداهم ولكن المنة عليهم أبلغ
وهذه الآية استجابة لدعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام ( يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين ) بعث الله فيهم محمد (ص) وذلك بعد أن خالفوا دين إبراهيم عليه السلام ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم )
عن أبى هريرة قال : كنا جلوس عند رسول الله (ص) فانزل الله سورة الجمعة فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثاً وفينا سلمان الفارسي فوضع رسول الله (ص) يده على سلمان الفارسى ثم قال : ( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء ) رواه مسلم ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) يعنى ما أعطاه الله محمدا (ص) من النبوة العظيمة وما خص به أمته
( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) ذم الله تعالى اليهود الذين أُعطوا التوراة وحملوها للعمل بالبهائم لم يعملوا بها مثلهم فى ذلك كمثل الحمار يحمل أسفارا كمثل الحمار يحمل الكتب ولا يرى ما فيها
( بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدى القوم الظالمين ) قال الإمام أحمد : عن بن عباس أن رسول الله (ص) قال : ( من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل اسفارا والذى يقول له أنصت ليس له جمعة )
( قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ) إن كنتم تزعمون أنكم على حق وأن محمداً(ص) على ضلالة فادعوا بالموت
( ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم ) أى بما يعملون لهم من الكفر والظلم والفجور ( والله عليم بالظالمين ) هم اليهود
( قل إن الموت الذى تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ) عن الحسن عن سمرة قال : مثل الذى يفر من الموت كمثل الثعلب تطلبه الأرض بدين فجاء يسعى حتى إذا أعيا وانبهر دخل جحره فقالت له الأرض يا ثعلب دينى فخرج له حصاص فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه فمات
( يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة ) سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع
( فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) اى اسعوا إلي ذكر الله واتركوا البيع
( ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ) ترككم البيع وإقبالكم إلى الصلاة خير لكم فى الدنيا والأخرة ( فإذا قضيت الصلاة ) فرغ منها ( فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله ) أذن لهم بعد الفراغ فى الإنتشار فى الأرض لسعى على الرزق
( واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ) أى فى حال بيعكم وشرائكم ( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما ) أى على المنبر تخطب عليه ( قل ما عند الله ) الذى عند الله من الثواب فى الأخرة
( خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ) لمن توكل عليه وطلب الرزق فى وقته