من معانى سورة القلم 4

قال تعالى : ( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ) هذا مثل ضربه الله لكفار قريش فيما أهدى إليهم من الرحمة العظيمة وهو بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فقابلوه بالتكذيب ( إنا بلوناهم ) أى اختبرناهم ( كما بلونا أصحاب الجنة ) هى البستان المشتمل على أنواع الثمار والفواكه ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) أى حلفوا فيما بينهم ليجذنَّ ثمرها ليلاً لئلا يعلم بهم فقير ولا سائل ليتوفر ثمرها عليهم ولا يتصدقون بشئ منها ( ولا يستثنون ) أى فيما حلفوا به ولهذا حنثهم الله فى أيمانهم ( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ) أى أصابتها آفة السماء ( فأصبحت كالصريم ) أى الليل الأسود قال السدى مثل الزرع إذا حصد هشيماً يابساً ( فأصبحت كالصريم ) حرموا خير جنتهم ( فتنادوا مصبحين ) أى وقت الصبح نادى بعضهم على بعض ( أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ) أى تريدون الصرم وهو الجذ قال مجاهد : كان حرثهم عنباً ( فانطلقوا وهم يتخافتون )أى يقول بعضهم لبعض لا تمكنوا اليوم فقيراً يدخلهم عليكم ( وغدوا على حرد قادرين ) أى قوة وشدة وقال مجاهد : أى جد وقال عكرمة : على غيظ وقال الشعبى : على المساكين وقال السدى : اسم قريتهم حرد ( قادرين ) أى عليها فيما يزعمون ويرومون ( فلما رأوها قالوا إنا لضالون ) أى فيما وصلوا إليه وهى على تلك الحالة قد استحالت عن تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار إلى أن صارت سوداء لا ينتفع بشئ منها فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق ثم رجعوا عما كانوا فيه وتيقنوا أنها هى ( بل نحن محرمون) أى لا حظ لنا ولا نصيب ( قال أوسطهم ) أعدلهم  وخيرهم ( ألم أقل لكم لولا تسبحون 0 قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ) أى أتوا بالطاعة حيث لا تنفع وندموا حيث لا ينفع الندم ( فأقبل بعضهم على بعض يتلومون ) أى يلوم بعضهم بعضاً عما كانوا أصروا عليه من منع المساكين ( قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ) أى جاوزنا الحد حتى أصابنا ما أصابنا ( عسى ربنا أن يُبدلنا خيراً منها إنا إلي ربنا راغبون ) قيل : رغبوا فى بذلها فى الدنيا وقيل : احتسبوا ثوابها فى الأخرة

قال بعض السلف إن هؤلاء كانوا من أهل اليمن من قرية على ستة أميال من صنعاء وقيل : كانوا من الحبشة وكان أبوهم قد خلف لهم هذه الجنة وكانوا من أهل الكتاب وقد كان أبوهم يسير فيها سيرة حسنة فكان ما يستغل منها يرد فيها ما تحتاج إليه ويدخر لعياله قوة سنتهم ويتصدق بالفاضل فلما مات أبوهم وورثه بنوه قالوا إن أبونا أحمق إذ كان يصرف من هذا شيئاً للفقراء ولو منعناه لتوفر لنا ذلك علينا وعزموا على ذلك فعوقبوا بنقيض قصدهم فذهب المال والربح ( كذلك العذاب ) أى هكذا عذاب الله لمن خالف أمره وبخل بما أتاه الله ( ولعذاب الأخرة أكبر لو كانوا يعلمون )

المصدر تفسير بن كثير ج / 4  


المزيد في: مختارات

اترك تعليقاً