شرح الكبائر الحرابة أو قطع الطريق

الحرابة أو قطع الطريق تُسمى عند فقهاء المسلمين السرقة الكبرى وهذه التسمية ترجع إلى أن قاطع الطريق يأخذ المال سراً ممن إليه حفظ الطريق وهو الإمام الأعظم ؛ كما أن السارق يأخذ المال سراً ممن إليه حفظ المكان المأخوذ منه وهو المالك أو من يقوم مقامه أما تسميتها كبرى فلأن ضرر قطع الطريق على أصحاب الأموال وعلى عامة المسلمين بانقطاع الطريق وضرر السرقة الصغرى يخص الملاك بأخذ مالهم وهتك حرزهم ولهذا غلظ الجد فى حق قطع الطريق “1” 

تعريف الحرابة : عرفها الأحناف بأنها الخروج على المارة لأخذ مالهم على سبيل المغالبة إذا أدى هذا الخروج إلى إخافة السبيل أو أخذ المال أو قتل إنسان سواء كان الخروج من جماعة أو من واحد له قوة قطع الطريق وسواء أكان القطع  بسلاح أم بغيره من العصى والحجر والخشب 

عرفها الشافعى بأنها البروز لأخذ مال أو لقتل أو إرهاب مكابرة اعتماداً على الشوكة مع البعد عن الغوث

عرفها مالك : بأنها إشهار السلاح لإخافة السبيل سواء قصد الجانى المال أم لم يقصده ؛ فمن خرج لقطع السبيل لغير المال فهو محارب وتكون الحرابة داخل السكن إذا دخل السارق مسلحاً ومعه قوة “2”

لقد نهى القرآن الكريم عن المحاربة لما فيها من ترويع الآمنين وقتل للنفس التى حرم الله إلا بالحق ؛ ولما يه من إهدار للحقوق ومفاسد تقع على المجتمع سواء أكانت مفاسد دينية أم سياسية أم إقتصادية وغير ذلك أما المفاسد الدينية وهو الدخول للشباب الذين ليس عندهم على بأمور الدين فيحاول المفسدون إفساد عقله بزعمهم أن المجتمعات المسلمة يجب تطهيرها من فئة معينة من الناس وإباحة دمائهم بزعم أنهم خارجون عن الإسلام فيندرج هؤلاء تحت طاعتهم يفعلون لهم ما يشاءون من إفساد وقتل وغير ذلك ؛ أما المفاسد السياسية هى خروجهم عن طاعة ولى الأمر وإفساد حياة الناس وهو ما يعبر عنه فى الفقه بالبغى لذلك يقول تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فساداً أن يُقتَّلوا أو يُصَّلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم ) “3”

عن أنس أن رهطاً من عكل وعُرينة أتوا رسول الله فقالوا : يارسول الله ( إنَّا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف فاستوخمنا المدينة فأمر لهم رسول الله بذود وداع وأمرهم أن يخروجا فيها فشربوا من ألبانها وابوالها فلما صحوا وكانوا بناحية الحُرة فقتلوا راعى رسول الله واستقوا الذود فبعث رسول الله فى أثرهم فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم فتركوا فى الحرة حتى ماتوا على حالهم ) ,وفى البخارى قال جرير بن عبد الله : ( فبعثنى رسول الله حتى أدركناهم قد أشرفوا على بلادهم فجئناهم إلى رسول الله قال جرير : فكانوا يقولون : الماء ويقول رسول الله النار ) “4” وقد حكى أهل التواريخ أنهم قطعوا يد الراعى ورجليه وغرزوا الشوك فى عينيه حتى مات وأُدخل المدينة ميتاً وكان اسمه يسار وكان نوبياً وكان هذا الفعل من المرتدين سنة ست من الهجرة وفى بعض الروايات أن رسول الله أحرقهم بالنار بعدما قتلهم وقال صلى الله عليه وسلم : ( من سل علينا سلاحاً فليس منا ) “5”أما من حمله لقتال المسلمين بغير حق ” فليس منا ” أى ليس من طريقتنا وهدينا فإن طريقته صلى الله عليه وسلم نصر المسلمين والقتال دونه لا ترويعه وإخافته وقتاله وهذا فى غير المستحل فإن استحل القتال بغير حق فإنه يكفر باستحلاله المحرم القطعى “6” عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته ميتة جاهلية ) ففى قوله ” من خرج عن الطاعة ” أى طاعة الخليفة الذى وقع الإجتماع عليه وكأن المراد خليفة أى قطر من الأقطار إذ لم يجمع الناس على خليفة واحد فى البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم ” وفارق الجماعة ” أى خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام وانتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم “7” 

اما المفاسد الإقتصادية : فهى الإضرار بأصحاب الأموال والتجارة التى تقوم عليها حياتهم وكذلك الإضرار بمصالح البلاد بما يفعله هؤلاء من يبع للديار وقتل للآمنين بدون وجه حق

أركان الحرابة : 1- القاطع ” الجانى ” ويشترط فيه أن يكون عاقلاً بالغاً مختاراً غير مضطر وشرط أبو حنيفة أن يكون للجانى قوة القطع بالسلاح أو ما فى حكمه كالعصا لأن قطع الطريق يحصل بكل ذلك ؛ أما مالك والشافعى فلا يشترطان حمل السلاح ويكون عندهما أن يعتمد المحارب على قوته وسطوته ” 4 ” وعند مالك والشافعى وأحمد لا تشترط الذكورة فى المحاربة وعندهم أن المرأة فى المحاربة مثل الرجل يقام عليها الحد وأنها تخالف الصبى والمجنون لأنها مكلفة يلزمها القصاص وسائر الحدود فإذا ارتكبت الجريمة أُقيم عليها الحد “8” وعند أبى حنيفة الذكورة شرط يجب توافره فلا يقام الحد على المرأة لأن سبب العقاب فى هذه الجريمة هو المحاربة والمرأة بطبيعة حالها ليست محاربة 

2- المقطوع عليه ” المجنى عليه ” ويشترط قطع الطريق عليه وهو من المسلم على المسلم والذمى سواء وذلك لأن الله تعالى إنما نص على حكم من حاربه وحارب رسوله أو سعى فى الأرض فساداً ولم يخص بذلك مسلم عن ذمى ” 9″

شروط الحرابة :

1- التكليف يشترط فى المحاربين العقل والبلوغ لأنهما شرطا التكليف الذى هو شرط إقامة الحدود ؛ فالصبى والمجنون لا يعتبروا واحداً منهما محارباً مهما اشترك فى أعمال المحاربة لعدم التكليف ولم يختلف فى ذلك واحد من الفقهاء

2- حمل السلاح : يشترط فى المحاربين أن يكون معهم سلاح لأن قوتهم التى يعتمدون عليها فى الحرابة إنما هى قوة السلاح

3- شرط الصحراء والبُعد عن العمران : فإن فعلوا ذلك فى البنيان لم يكونوا محاربين ولأن الواجب يسمى حد قاطع الطريق وإنما فى الصحراء لأن فى المصر يلحق الغوث أحياناً وقال بعض العلماء : حكمهم فى المصر حكم  الصحراء لأن الآية تناولت كل محارب فكان أولى أن يدخل فيها هذه العصابات التى تتفق مع العمل الجنائي من السلب والنهب

4- شرط المجاهرة : وهو أن يأخذ المال جهراً فإن أخذوه سراً فهذه سرقة “10 ” 

عقوبة الحرابة

1- القتل 2- الصلب 3- تقطع الأيدى 4- النفى من الأرض وهذه العقوبات جاءت معطوفة بحرف أو قال بعض العلماء أن العطف للتخيير ومعنى ذلك أن للحاكم أن يختار عقوبة من هذه العقوبات حسب ما يراه من المصلحة

توبة المحاربين

إذا تابوا قبل القدرة عليهم وتمكن الحاكم من القبض عليهم فإن الله يغفر لهم ما سلف ويرفع عنهم العقوبة الخاصة بالحرابة وشملهم عفو الله وأسقط عنهم كل حق من حقوقه أما حقوق العباد فإنها لا تسقط عنهم وتكون عقوبتهم القصاص

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- شرح فتح القدير 4 / 168

2- حاشية الدسوقى 349

3- المائدة 33

4- تفسير بن كثير 2 / 332

5-البخارى 7070 ومسلم 99

6-سبل السلام 3 / 344

7-سبل السلام 345

8- كشف القناع 6 / 150

9- شرح فتح القدير 4 / 273

10- فقه السنة 2 / 296


المزيد في: مختارات

اترك تعليقاً