شرح الكبائر أكل الحرام

الحرام مأخوذة من حرَّم الشئ على نفسه أو على غيره جعله حراماً والحرام الممنوع من فعله ” 1 ” قال تعالى : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) ” 2 “

عن بن عباس قال : هذا فى لرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام ؛ قال قتادة : إعلم يا بن آدم أن قضاء القاضى لا يحل لك حرام ولا يحق لك باطلاً وإنما يقضى القاضى بنحو ما يرى وتشهد به الشهود والقاضى بشر يخطئ ويصيب ؛ وإعلموا أن من قُضى له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضى على المبطل للمحق بأجود مما قضى به للمبطل على المحق فى الدنيا ” 3 “

قال قتادة نزلت الآية فى إمرئ القيس الكندى وفى عبدان بن أشوع الحضرمى وذلك أنهما اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فى أرض وكان امرئ القيس المطلوب وعبدان الطالب فأنزل الله تعالى هذه الآية فحكم عبدان فى أرضه ولم يخاصمه “4 ” والخطاب فى هذه الآية يتضمن جميع أمة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق فيدخل فى هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق وما لا تطيب به نفس مالكه ح أو حرمته الشرعة وإن طابت به النفس كمهر البغى وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك يدخل فيه الغبن فى البيع مع معرة البائع بحقيقة ما باع لأن الغبن كأنه هبة ومن أخذ مال غيره  لا على وجه إذن الشرع  فقد أكله بالباطل ومن ا لأكل بالباطل أن يقضى القاضى لك و أنت تعلم أنك مبطل فاحرام لا يصير حلالاً بقضاء القاضى لأنه يقضى بالظاهر وهذا إجماع فى الأموال وإن كان عند أبى حنيفة قضاؤه ينفذ فى الفروج أولى ” 5″ 

عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنكم تختصمون إلىَّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو مما أسمع منه فمن قطعت له من حق أخيه شيئاَ فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطع من النار ) “6 ” فى هذا الحديث دلالة لمذهب مالك والشافعى وأحمد وجماهير العلماء أن حكم الحاكم لا يحل الباطل ولا يحل حراماً فإذا شهد شاهد زوراً لإنسان بمال فحكم به الحاكم للمحكوم له ذلك المال ؛ ولو شهد عليه بقتل لم يحل للولى قتله مع علمه بكذبهما ” 7 “

فى صحيح البخارى أن رسول الله قال : ( إن رجالاً يتخوضون فى مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ) “8 ” وفى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب ومطعمه من حرام ومشربه من حرام وملبسه حرام وغُذى بالحرام فأنى يُستجاب لذلك ) ” 9 ” وقال أيضاً : ( كل جسد نبت من سُحت فالنار اولى به فخشيت أن ينبت بذلك فى جسدى هذه اللقمة ) ” 10 “

إعلم أن طلب الحلال فرض على كل مسلم وقد إدعى كثير من الجهال عدم الحلال وقالوا : لم يبقى منه إلا الماء الفرات والحشش النبات وما عدا ذلك فقد أفسدتهالمعاملات الفاسدة ؛ فلما وقع لهم هذا وعلموا أنه لا بد لهم من الأقوات توسعوا فى الشبهة والحرام ؛ وهذا من الجهل وقلة العلم ” 11 “

عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ) ” 12 ” أجمع العلماء على عظم وقع هذا الحديث وكثرة فوائده وأنه أحد الأحاديث التى عليها مدار الإسلام ؛ قال جماعة : هو ثلث الإسلام وأن الإسلام يدور عليه وسبب عظم موقعه أن رسول الله نبه فيه على إصلاح المطعم والمشرب والملبس وغيرهما وأنه ينبغى ترك الشبهات فإنه سبب لحماية دينه وعرضه وحذر من مواقع الشبهات ” 13 ” 

واعلم أن الحلال كله طيب وأن الحرام كله خبيث ولكن بعضه أخبث من بعض كما أن الطيب يحكم على كل حلو بالحرارة مثل ذلك الحرام المأخوذ بعقد فاسد حرام ولكنه ليس فى درجة المغصوب على سبيل القهر ؛ بل المغصوب أعلظ إذ فيه إيذاء الغير وترك طريق الشرع فى الإكتساب وليس فى العقود الفاسدة إلا ترك طريق التعبد فقط ” 14 “

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المعجم الوجيز ص 147

2-   البقرة آية 188

3- تفسير بن كثير 1 / 225

4- أسباب النزول ص 50

5- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 1 / 822

6- مسلم 12/ 1713

7- مسلم بشرح النووى 12 / 6

8- البخارى 6 / 3118

9- مسلم 7 / 1015

10- البخارى 7 / 3842

11- مختصر منهاج القاصدين 76

12- البخارى 53 ومسلم 1599

13- مسلم بشرح النووى 11 / 23

14- مختصر منهاج القاصدين 77


المزيد في: مختارات

اترك تعليقاً