شرح الكبائر مانع الزكاة 2
الزكاة من الفرائض التى أجمعت عليها الأمة ؛ واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الإسلام وقُتل كفراً ؛ إلا إذا كان حديث عهد بالإسلام فإنه يعذر لجهله بأحكامه ؛ أما من امتنع عن آدائها مع اعتقاد وجوبها فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الملة وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهراً ويعزر ولا يأخذ من ماله أزيد منها إلا عند أحمد والشافعى فى القديم فإنه يأخذها منه ونصف ماله عقوبة له ؛ ويلحق به من أخفى ماله ومنع الزكاة ثم انكشف أمره للحاكم ؛ وذلك لما رواه أحمد والنسائى وأبى داود والحاكم والبيهقى عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله يقول : (فى كل إبل سائمة ؛ وفى كل أربعين ابنة لبون لا يفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجراً فله أجرها ؛ ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمه من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شئ )البيهقى 1119
ولو امتنع قوم عن آدائها مع اعتقادهم وجوبها وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يُقاتلون عليها حتى يعطوها لما رواه البخارى ومسلم عن بن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : ( أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا فعلوا ذلك عصموا من دما ئهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ) مسلم 1 / 22 ولما رواه جماعة عن أبى هريرة قال : ( لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب ؛ فقال عمر كيف تُقاتل الناس ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم منى ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله ؛ فقال: لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ؛ والله لو منعونى عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم على منعها ؛ فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق ) مسلم 1 / 22 هذا جزاء مانع الزكاة فى الدنيا و أما فى الآخرة فإن جزاءه شديد وعقابه أليم — الزكاة والرعاية الإجتماعية للشيخ / منصور الرفاعى عبيد 18 قال تعالى : ( ولا يحسبنَّ الذين يبخلون بما آءتاهم الله من فضله هو خيراً بل بل هو شر لهم سيُطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله) آل عمران آية 180 وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون اموال الناس بالباطل ——— ) التوبة آية 34 المقصود التحذير من علماء السوء وعُبَّاد الضلال كما قال سفيان بن عيينه : من فسد من علمائنا كان فيه شبه من اليهود ؛ ومن فسد من عُبادنا كان فيه شبه من النصارى وأن هؤلاء يأكلون الدنيا بالدين ومناصبهم ورياستهم فى الناس يأكلون أموالهم بذلك كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف ولهم عندهم خرج وهدايا وضرائب تُجبى إليهم فلما بُعث رسول الله استمروا على ضلالهم وكفرهم وعنادهم طمعاً منهم أن تبقى لهم الرياسة ( ويصدون عن سبيل الله ) أى يصدون الناس عن اتباع الحق ويلبسون الحق بالباطل ؛ ويظهرون لمن تبعهم من الجهلة أنهم يدعون إلى الخير كما يزعمون ؛ بل هم دعاة إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها فى سبيل الله ) هؤلاء هم القسم الثالث من الناس ؛ فالناس عالة على العلماء وعلى العباد وعلى أرباب الأموال فإذا فسدت أحوال هؤلاء فسدت أحوال الناس كما قال بن المبارك : وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانيها —- تفسير بن كثير 2 / 358
روى الشيخان عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من اتاه الله مالاً فلم يؤدى ذكاته مُثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهمزمتيه يعنى بشدقيه ثم يقول أنا كنزك أنا مالك ثم تلا قوله تعالى : ولا يحسبنَّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً بل هو شر لهم ) يا أيها المانع للذكاة أما آن لك أن تخرج ذكاتك حتى تقى نفسك من النار ؟ أما آن لك أن تعلم أن هذا المال للفقراء فيه حق ينبغى أن يؤدى لهم ؟ أما علمت أن المانع للذكاة ولا يؤديها فهو خارج عن تعاليم الإسلام ومنهجه ؟ أما أخذت العبرة والعظة ممن سبقوك إلى دار الآخرة كانت لهم الأموال الطائلة فهل عاد عليهم هذا المال بالخير إذا كنت لا تكتفى بذلك فاقرأ أخبار السابقين حتى تأخذ لنفسك العبرة والعظة ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها فى نار جهنم فيكوى بها جبينه وجنباه وظهره كلما بردت أُعيدت له فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل يا رسول الله فالإبل قال : ولا صاحب إبل لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أو فر ما كانت لا يفقد منها فضلاَ واحداً تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ؛قيل : يا رسول الله فالبقر والغنم ؛ قال : ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ليس فيها عقصاء ولا جلجاء ولا غضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عليه أولها رد عليه آخرها فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) مسلم 4 / 987 وعن بن عباس قال : من كان له ماله يبلغه حج بيت الله تعالى ولم يحج أو تجب فيه الذكاة ولم يذك سأل الرجعة عند الموت فقال له رجل : اتق الله يا بن عباس فإنما سأل الرجعة الكفار ؛ فقال بن عباس : سأتلوا عليك بذلك قرآناً قال الله تعالى : ( وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ) أى أحج ح قيل له : فيما تجب الزكاة ؟ قال : إذا بلغ مائتى درهم وجبت فيه الزكاة قيل : فيما يوجب الحج قال : الزاد والراحلة —- ) الترمذى 5 / 2316 وقال صلى الله عليه وسلم : ( أول ثلاثة يدخلون النار أمير مسلط وذو عزوة من مال لا يؤدى حق الله تعالى من ماله وفقير فخور ) الحاكم 1 / 387 قل للذين شغلهم فى الدنيا غرورهم وإنام فى غد ثبورهم ما نفعهم ما جمعوا إذا جاءهم ما حذروا ” يوم يُحمى عليها فى نار جهنم فتُكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم فكيف غابت عنهم قلوبهم وعقولهم أخذ المال إلى دار ضرب العقاب فجعل فى بودقة أى ما يُصهر فيه الفلزات كالحديد ؛ ليحمى ويقوى العذاب فصفح صفائح كى يعم الإهاب ثم جئ بمن عن الهوى قد غاب يسعى إلى مكان لا مع قوم يسعى نورهم إذا لقيهم الفقير لقى الأذى فإنه طلب منهم شيئاً قد طار منهم لهب الغضب كالجمرة الملتهبه ولو شاء ربك لأغنى المحتاج ونسوا حكمة الخالق فى غنى ذا وفقر ذا ؛ واعجباً كم يلقاهم من غم إذا ضمتهم قبورهم سيأخذها منهم الوارث من غير تعب ويُسأل عنها الجامع من أين اكتسب ولو رأيتهم فى طبقات النار يتقلبون على جمرات الدرهم والدينار وقد غُلت اليمين مع اليسار لما بخلوا مع الإيثار ؛ لو رأيتهم فى الجحيم يسقون من الحميم ؛ وقد ضج صبورهم كم كان يوعظون فى الدنيا وما فيها من يسمع ؛ كم خُوفوا عقاب الله وما فيهم من يفزع