شرح الكبائر الكبر والإغتيال
لقد حذرنا الله تبارك وتعالى من أن يختل الإنسان فى مشيته على وجه الأرض لما فى ذلك من منافة لطباع الناس حيث أن المختال الذى يتباهى فى مشيته يأخذ الناس منه جانباً فلا يخالطونه ولا يحدثونه بل إنهم يحذرون من تعامله وإذا سأل عنه الناس قالوا أنه مختال أو متكبر ويحذرون الناس منه وما جاءت هذه الصفة على صاحبها إلا بوابل من الشر لذلك يقول تعالى : ( ولا تمشى فى الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ) أى متبختراً متمايلاً مشى الجبارين ” إنك لن تخرق الأرض ” أى لن تقطع الأرض بمشيتك ؛ قاله بن جرير واستشهد عليه بقول رؤية بن العجاج : ( وقاتم الأعماق خاوى المخترق ) وقوله : ( ولن تبلغ الجبال طولا ) أى بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده ؛ ولقد أخبرنا الله تعالى عن قارون أنه خرج على قومه فى زينته وأن الله خسف به وبداره الأرض
قال أبو بكر بن أبى الدنيا عن الحجاج بن محمد عن أبى بكر الهذلى قال : بينما نحن مع الحسن إذ مر عليه بن الأهيم يريد المنصور وعليه جباب خز قد نضد بعضها فوق بعض على ساقه وإنفرج عنها قباؤه وهو يمشى ويتبختر إذ نظر إليه الحسن نظرة فقال : أف شامخ بأنفه ثانى عطفه مصعر خده ينظر فى عطفيه أى حميق ينظر فى عطفه فى نعم غير مشكورة ولا مذكورة غير المأخوذ بأمر الله فيها ولا المؤدى حق الله منها والله أن يمشى أحدهم طبيعته يتلجلج المجنون فى كل عضو من نعمة وللشيطان به لعنة فسمعه بن الأهيم فرجع يعتذر إليه فقال : لاتعتذر وتب إلى ربك —– تفسير بن كثير ج 3
قال تعالى : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً فى الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) سورة القصص 83 قال عكرمة : العلو التجبر ؛ وقال سعيد بن جبير : العلو البغى ؛ وقال سفيان : الثور العلو فى الأرض التكبر بغير حق والفساد أخذ المال بغير حق — تفسير بن كثير 3 / 416
عن سلمة بن الأكوع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يُكتب فى الجبارين فيصيبه ما أصابهم ) البخارى 203 وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر فقال ر جل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً ؛ قال : إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس ) سلم 1 / 91 قال الجاحظ : المشهور بالكبر من قريش بنو مخزوم وبنو أمية ومن العرب بنوا جعفر بن كلاب وبنوا زرارة بن عدى وأما الأكاسرة فكانوا لا يعدون الناس إلا عبيداً وأنفسهم إلا أرباباً ؛وقيل لرجل من بنى عبد الدار ألا تأتى الخليفة ؟ فقال : إنى أخاف أن لا يحمل الجسر شرفى
قيل للحجاج بن أرطأة مالك لا تحضر الجماعة ؟ قال : أخشى أن يزاحمنى البقالون ؛ وقال المسور بن هند لرجل أتعرفنى ؟ قال : لا قال: انا المسور بن هند قال : ما أعرفك ؛ قال : فتعساً لمن لا يعرف القمر 0
قيل : لا يتكبر إلا كل وضيع ولا يتواضغ إلا كل رفيع مكاشفة القلوب للجوزى 195
فى الصحيحين أن رسول الله قال : ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ؛ فقال أبو بكر يا رسول الله إن أحدشقى إزارى ليسترخى إلا أن أتعاهد ذلك منه فقال رسول الله : لست ممن يصنعه خيلاء ) البخارى 5350
إعلم أن الكبر خُلق باطن تصدر عن أعمال هى ثمرته فيظهر على الجوارح وذلك الخثلق هو رؤية النفس على المتكبر عليه يعنى يرى نفسه فوق الغير فى صفات الكمال فعند ذلك يكون متكبراً ؛ وآفة الكبر عظيمة وفيه يهلك الخواص وقلما ينفك عنه العباد والوهاد والعلماء — مختصر منهاج القاصدين للمقدسى 206 وكيف لا تعظم آفته وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر
إعلم أن للعلماء والعُبَّاد فى الكبر ثلاث درجات
الأولى : أن يكون الكبر مستقر فى قلب الإنسان منهم فهو يرى نفسه خيراً من غيره إلا أن يجتهد ويتواضع فهذا فى قلبه شجرة الكبر مغروسة إلا أنه قد قطع أغصانها
الثانى : أن يظهر لك بأفعاله من الترفع فى المجالس والتقدم على الأقران ؛ والإنكار على من يقصر فى حقه ؛ فترى العالم يصعر خده للناس كأنه معرض عنهم والعابد يعيش ووجهه كأنه مستقذر لهم وهذان قد جهلا ما أدب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم حين قال : ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) الشعراء آية 215
الدرجة الثالثة : أن يظهر الكبر بلسانه كالدعاوى و المفاخرة وتزكية النفس ؛ وحكايات الأحوال فى معرض المفاخرة لغيره وكذلك التكبر بالنسب ؛ فالذى له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملاً ؛ قال بن عباس : يقول الرجل للرجل أنا أكرم منك وليس أحد اكرم من أحد إلا بالتقوى قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات آية 13 أى إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى والأحساب —- تفسير بن كثير 4 / 217 وكذلك التكبر بالمال والجمال والقوة ؛ وكثرة الأتباع ونحو ذلك فالكبر بالمال أكثر ما يجرى بين الملوك والتجار ونحوهم ؛ والتكبر بالجمال أكثر ما يجرى بين النساء ؛ ومن خصال المتكبر أن يحب قيام الناس له ؛ والقيام على ضربين
1- قيام على رأسه وهو قاعد فهذا منهى عنه قال صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار ) البخارى 1 / 977 وهذه عادة الأعاجم والمتكبرين
2- قيام عند مجئ الإنسان فقد كان السلف لا يكادون يفعلون ذلك ؛ قال أنس : لم يكن أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك وقال العلماء : يستحب أن يقوم للوالدين والإمام العادل وفضلاء الناس وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل فإذا تركه الإنسان فى حق من يصلح أن يفعل فى حقه لم يأمن أن ينسبه إلى إهانته والتقصير فى حقه فيوجب ذلك حقداً
ومن خصال المتكبر أن لا يمشى إلا ومعه أحد يمشى خلفه —– مختصر منهاج القاصدين 207 إحذر أن تقع فى طيات هذا المرض فإنه آفة عظيمة تؤدى بالإنسان إلى الهلاك ؛ واحذر أن يكون ممن يجمع المال من حله وحرامه لتتكبر به على الخلائق فلا شك أن سيكون وبالاً عليك إذا فعلت ذلك واحذر أن تكون ممن يرائ الناس فى قوله أوفعله واحرص دائماً أن تكون ممن قال فيهم رب العزة ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين )