شرح الكبائر غش الإمام لرعيته وظلمه لهم

غش الإمام لرعيته وظلمه لهم

قال تعالى : ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب مهين ) الشورى آية 42

قال بن جريج : أى يظلمونهم بالشرك المخالف لدينهم ( ويبغون فى الأرض بغير الحق ) أى فى النفوس والأموال فى قول الأكثرين وقال مقاتل : بغيهم عملهم بالمعاصى الجامع لأحكام القرآن 9 / 6085

إعلم أيها المسلم أن لك مع الأمراء والعمال ثلاثة أحوال

الحالة الأولى :

هى الدخول عليهم فهو مذموم جداً فى الشرع وفيه تغليظات وتشديدات تواترت بها الأخبار والآثار أما الأخبار قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( سيكون بعدى أمراء يكذبون ويظلمون ؛ فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس منى ولست منه ولم يرد على الحوض ) النسائ والترمذى وصححه الحاكم

وقال صلى الله عليه وسلم : ( ويل للأمراء ويل للعرفاء ويل للأمناء ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم كانت معلقة بالثريا يعذبون ولم يكونوا عملوا شئ ) رواه أحمد فى مسنده 2 / 352 وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيما راع غش رعيته فهو فى النار ) الألبانى فى صحيح الجامع 2713 وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ) مسلم 1 / 142 قال القاضى عياض : معناه بين فى التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله تعالى شيئاً من أمرهم واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم فى دينهم أو دنياهم ؛ فإذا خان فيما ائتمن عليه فلم ينصح فيما قلده إما بتضيعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به ؛ و إما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لكل متصد لإدخال داخلة فيها ؛ أو تحريف لمعانيها أو إهمال حدودهم أو تضيع حقوقهم أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم — مسلم بشرح النووى 2/ 136 قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من أمير يلى أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ) مسلم 2 / 142 وقال أيضاً : ( إن شر الرعاء الحطمة فإياك أن تكون منهم ) مسلم 12/ 1830 قالوا هو العنيف فى رعيته لا يرفق بهم فى سوقها ومرعاها بل يحطمها فى ذلك وفى سقيها ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها —- مسلم بشرح النووى 12 / 172 وقال صلى الله عليه وسلم : ( ليأتين على القاضى العدل يوم القيامة ساعة يتمنى أنه لم يقض بين اثنين فى تمرة قط ) الألبانى فى السلسلة الضعيفة 5168 وقال أيضاً : ( ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه إما أطلقه عدله أو أوبقه جوره ) الألبانى فى السلسلة الصحيحة 5696 

أما الآثار : فقد قال حذيفة : إياكم ومواقف الفتن ؛ قيل وما هى ؟ قال أبواب الأمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول ما ليس فيه

وقال أبو ذر لسلمة : يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين فإنك لا تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك أفضل منه ؛ وقال سفيان فى جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزوارون للملوك ؛ وقال الأوزاعى : ما من شئ أبغض إلى الله من عالم يزور عملاً ؛ وقال عبادة بن الصامت حب القارئ الناسك الأمراء نفاق وحبه الأغنياء رياء ؛ قال أبو ذر من كثَّر سواد قوم فهو منهم أى من كثَّر سواد الظلمة ؛ وقال بن مسعود : إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه فيخرج ولا دين له ؛ قيل له : ولم ؟ قال لأنه يرضيه بسخط الله ؛ وقال الفضيل : ما زداد رجل من ذى سلطان قرباً إلا إزداد من الله بعدا 

الحالة الثانية :

أن يدخل عليك السلطان الظالم زائراً / فجواب السلام لابد منه ؛ وأما القيام والإكرام له فلا يحرم مقابلة له على إكرامه فإنه بإكرام العلم والدين مستحق للإحماد كما أنه بالظلم مستحق للإبعاد ؛ ولكن الأولى أن لا يقوم إن كان معه فى خلوة ليظهر له بذلك عز الدين وحقارة الظلم ؛ ويظهر غضبه للدين وإعراضه عمن أعرض عن الله فأعرض الله تعالى عنه ؛ وإن كان الداخل عليه فى جمع مراعاة حشمة أرباب الولايات فيما بين الرعايا مهم فلا بأس بالقياس على هذه النية ؛ وإن علم أن ذلك لا يورث فساداً فى الرعية ولا يناله أذى من غضبه فترك الإكرام بالقيام أولى

الحالة الثالثة :

أن يعتزلهم فلا يراهم ولا يرونه ؛ وهو واجب إذ لا سلامة إلا فيه فعليه أن يعتقد بعضهم على ظلمهم ؛ ولا يجب بقاؤهم ولا يثنى عليهم ؛ ولا يستخير عن أحوالهم ولا يتقرب إلى المتصلين بهم ولا يتأسف على ما يفوت بسبب مفارقتهم وذلك إذا خطر بباله أمرهم ؛ وإن غفل عنهم فهو الأحسن ؛ وإذا خطر بباله تنعمهم فليذكر ما قاله حاتم الأصم إنما بينى وبين الملوك يوم واحد ؛ فأما الأمس فلا يجدون لذته وإنى وإياهم فى غد لعلى وجل وإنما هو اليوم وما عسى أن يكون فى اليوم ؛ وما قاله أبو الدرداء أهل الأموال يأكلون  ونأكل ويشربون ونشرب ويلبسون ونلبس ولهم فضول أموإل ينظرونه إليه وتنظر معهم إليها وعليهم حسابها و نحن منها براء ؛ وكل من أحاط علمه بظلم ظالم ومعصيته عاص فينبغى أن يحط ذلك من درجته فى قلبه فهذا واجب عليه ؛ وقد يقال كان علماء السلف يدخلون على السلاطين ؛ أقول : نعم تعلَّم الدخول منهم ثم ادخل ؛ كما حكى أن هشام بن عبد الملك قدم حاجاَ إلى مكة فلما دخلها قال : ائتونى برجل من الصحابة فثقيل يا أمير المؤمنين قد تفانوا ؛ فقال : من التابعين فأتى بطاووس اليمانى فلما دخل عليه خلغ نعله بحاشية بساطه ولم يسلم عليه بإمرة المؤمنين ؛ ولكن قال السلام عليك يا هشام ولم يكنه وجلس بإزاره وقال : كيف أنت يا هشام ؟ غضب هشام غضباً شديداً حتى هم بقتله ؛ فقيل له أنت فى حرم اله وحرم رسوله ولا يمكن ذلك ؛ فقال طاووس : ما الذى حملك على ذلك ؟ قال : ما صنعت قال : وما صنعت ؟ فازداد غضباً وغيظاً  قال : خلعت نعليك بحاشية بساطى ولم تقبل يدى ولم تسلم على بإمرة المؤمنين ولم تكننى وجلست بازارى بغير إذنى ؛ وقلت كيف أنت يا هشام ؟ قال : أما ما فعلت من خلع نعلى فإنى أخلعهما بين يدى رب العزة كل يوم خمس مرات ولا يعاقبنى ؛ ولا يغضب على ؛ وأما قولك ولم تقبل يدى فإنى سمعت أمير المؤمني على بن أبى طالب يقول : لا يحل لرجل أن يقبل يد أحد إلا امرأته من شهوة أو ولده من رحمة ؛ وأما قولك لم تسلم على بإمرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بإمرتك فكرهت أن أكذب ؛ وأما قولك ولم تكننى فإن الله سمى أنبيائه وأولياءه فقال : يا يحيى يا عيسى وكنى أعداءه فقال : ( تبت يدا أبى لهب وتب ) وأما قوالك : جلست بإزارى فإنى سمعت أمير المؤمني على بن أبى طالب يقول : إذا أردت أن تنظر إلى رجل من أهل النار فانظر إلى رجل جالس وحوله قوم قيام ————– بتصرف إحياء علوم الدين 3 / 178 – 184  


المزيد في: مختارات

اترك تعليقاً