الحياء شعبة من شعب الإيمان

الحياء

قيل ان الحياء هو تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به ويذم ، وقيل أن الحياء هو انقباض النفس من القبيح، وقيل انه خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح.

 

فضل الحياء ومكانته:

الحياء خصلة من خصال الإيمان، وخلق من أخلاق الإسلام، من اتصف به حسُن إسلامه، وعلت أخلاقه، من اتصف به هجر المعصية خجلاً من ربه، وأقبل على طاعته بوازع الحب والتعظيم، إنها خصلة تبعدك عن فضائح السيئات وقبيح المنكرات، إنها من شعب الإيمان، أنها تكسوك وقاراً واحتراماً، خصلة هي دليل على كرم السجية وطيب النفس، بل هي صفة من صفات الأنبياء والصالحين والصالحات، إنها صفة جميلة في الرجال، وفي النساء أجمل، كسبها يجعل القبيح جميلاً، وفقدها يجعل الجميل قبيحاً.

الحياء هو رأس الأخلاق، ودليل على بقية الأخلاق، مَن تحلى به استطاع أن يتحلى بباقي الأخلاق الفاضلة ويتخلى عن كل خلق قبيح، ومَن حرم الحياء عجز عن التحلي ببقية الأخلاق الفاضلة وانغمس في كل خلق مذموم.

 

الحياء خلق الإسلام:

أخرج ابن ماجة عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص)- « إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ ». حديث حسن.

 

الله حيي يحب الحياء :

عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ (ص)، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ» أخرجه الترمذي والبيهقي.

 

الحياء خلق نبوي كريم :

فلقد كان النبي (ص) المثل الأعلى في الحياء: ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ (ص) أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ».

 

الحياء شعبة من شعب الإيمان :

في الصحيحين – واللفظ لمسلم – عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال: « الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ».

وفي الصحيحين – واللفظ للبخاري – عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مَرَّ النَّبِيُّ (ص) عَلَى رَجُلٍ، وَهُوَ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الحَيَاءِ، يَقُولُ: إِنَّكَ لَتَسْتَحْيِي، حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ أَضَرَّ بِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «دَعْهُ، فَإِنَّ الحَيَاءَ مِنَ الإِيمَانِ».

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: قال رسول الله (ص): «الْحَيَاءُ وَالْإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الْآخَرُ». رواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

 

الحياء مفتاح لكل خير :

وَكَفَى بِالْحَيَاءِ خَيْرًا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخَيْرِ دَلِيلًا، وَكَفَى بِالْوقاحَةِ وَالْبَذَاءِ شَرًّا أَنْ يَكُونَا إلَى الشَّرِّ سَبِيلًا.

الحياء كله خير ولا يأتي إلا بخير، ففي الصحيحين عن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (ص): «الحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ». وفي رواية لمسلم: « الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ ». قَالَ أَوْ قَالَ « الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ ».

وأخرج الدارقطني والبيهقي عن قُرَّة بن إياس رضِي الله عنْه: قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَذُكِرَ عِنْدَهُ الْحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ الْحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): « بَلْ هُوَ الدِّينُ كُلُّهُ ». صحيح التَّرغيب.

ومن هنا فلا بد من تصحيح العبارة التي تروج على الألسن “لا حياء في الدين” بعبارة أدق وأصح “لا حياء في تعلم الدين” فالحياء المذموم هو الذي يمنع صاحبه من تعلم دينه، من النصح لغيره، من قول الحق، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهو في الحقيقة ليس حياء وإنما هو خجل.

والله تعالى يقول: ﴿ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الأحزاب: 53].

وأخرج ابن ماجة في سننه والبخاري تعليقا، عن عائشة رضي الله عنها قالت: “نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّينِ”.

وفي الصحيحين عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، هَلْ عَلَى المَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «نَعَمْ إِذَا رَأَتِ المَاءَ».

 

الحياء مِغلاق لكل شر:

الحياء هو الخلق الذي يحمل على ترك القبيح من الصفات والأفعال والأقوال، ويمنع من التقصير في حق الله المتفضل المنعم سبحانه. والدعوةُ إلى التخلق بالحياء وملازمته إنما هي دعوة إلى الامتناع عن كل معصية وشر، والإقبال على كل فضيلة وخير.

قال الفضيل بن عياض رحمه الله “من علامات الشقاوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلة الحياء، والرغبة في الدنيا، وطول الأمل”.

وقال ابن حبان رحمه الله “فالواجب على العاقل لزوم الحياء، لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر”.

وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ البدري رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ (ص): « إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ». أخرجه البخاري.

قال ابن القيم رحمه الله: الحياء مشتق من الحياة، فمن لا حياء فيه فهو ميت في الدنيا، شقي في الآخرة، وبين الذنوب وقلة الحياء وعدم الغيرة تلازم، فكل منهما يستدعي الآخر ويطلبه”.

لذا فإن الإنسان إذا تعرى من الحياء ولم يتخلق بخلق الحياء، فلا تسل عما سيقترفه من رذائل، ولا تعجب مما سيرتكبه من حماقات. فقليل الحياء لا يأبه بدنو همته، ولا يبالي بسفول قدره، ولا يجد ما يبعثه على التحلي بالفضائل، ولا ما يقصره عن الرذائل، فإنه إذا فقد حياءه سينطلق في تحصيل شهواته غير آبه بحق الله ولا بحق الناس، وسيهوي في دركات الحماقة والوقاحة، فلا تزال خطواته تقوده من سيئة إلى أخرى حتى يصير بذيئاً جافياً، منغمسا في قبائح الأفعال وسيء الأقوال.

أما الذي يستحي من الله فإنه إذا اعترضته شهوة أو فتنة، ردها بما رد به يوسف عليه السلام على امرأة العزيز ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23].

فما الذي جعل الكثير من الناس يتجرؤون على محارم الله وحدوده؟ إنه قلة الحياء، إنه غياب الحياء من الله عز وجل.

عن ثوبانَ عن النبيِّ (ص) – أنَّه قال: [[لأعلمنَّ أقوامًا من أمَّتي، يأتون يومَ القيامة بحَسَنات أمثال جِبال تِهامة بِيضًا، فيجعلها الله – عزَّ وجلَّ – هباءً منثورًا]]، قال ثوبان: يا رسولَ الله، صِفْهم لنا، جَلِّهِم لنا؛ ألاَّ نكونَ منهم ونحن لا نعلم، قال: [[أَمَا إنَّهم إخوانُكم، ومِن جلدتكم، ويأخذون مِنَ اللَّيْل كما تأخذون، ولكنَّهم أقوامٌ إذا خَلَوْا بِمحارم الله انتهكوها]]؛ صحيح ابن ماجه.

 

فمن أعظم صور الحياء : الحياء من الله

 

أخرج أحمد وأصحاب السنن عن بَهْز بن حَكيم عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أن رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ: «فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ مِنَ النَّاسِ» صحيح الترمذي.

وأخرج الطبراني عن سعيدِ بنِ يَزيدَ الأزديِّ أنَّه قال للنَّبيّ (ص): أوْصني، قال: «أُوصيك أن تستحْييَ من الله عزَّ وجلَّ كما تستحيي منَ الرَّجل الصَّالح من قومك»؛ صحيح الجامع.

والحياء من الله عز وجل، يكون بمقابلة نِعَمِه بالشُّكْر، وأوامره بالامتِثال، ونواهيه بالاجتناب.

الحياء من الله: ألا يراك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.

المسلم يستحي من ربه أن يراه على معصيته ومخالفته، وإذا فعل ذنبًا أو معصية، فإنه يخجل من الله خجلا شديدًا، ويعود سريعًا إلى ربه طالبًا منه العفو والغفران.

المسلم يتأدب مع الله تعالى ويستحيي منه؛ فيشكر نعمة الله، ولا ينكر إحسان الله وفضله عليه، ويمتلئ قلبه بالخوف والمهابة من الله، وتمتلئ نفسه بالوقار والتعظيم لله، ولا يجاهر بالمعصية، ولا يفعل القبائح والرذائل؛ لأنه يعلم أن الله مُطَّلِعٌ عليه يسمعه ويراه.

 

 بواعث الحياء من الله

المحبة: فهل هناك أحب إلى المؤمن من الله؟ ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

فإذا كنت تحب الله حقا فما علامة حبك لله؟ فهل من المحبة أن تعصيه؟ هل من المحبة أن تقصر في حقه؟..

تعصي الإله وأنت تزعم حبه ، هذا لعمري في القياس شنيع ، لو كان حبك صادقا لأطعته ، إن المحب لمن يحب مطيع

 

 


المزيد في: متنوعات

اترك تعليقاً