معاملة النصارى الرومان للنصارى فى مصر ومعاملة المسلمين الفاتحين لهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إن التاريخ لهو خير شاهد لما حدث من نصارى الروم للنصارى فى مصر ؛ وما حدث من المسلمين الفاتحين للنصارى فى مصر ؛ وإليك مشاهد مما كان يحدث أولاً انظر كيف كانت السماحة من النصارى الروم لأبناء ملتهم النصارى فى مصر
1- أن جيوش الفرس لما دخلوا بلاد الشام ومصر خربوا كنائسها ؛ وقتلوا منهم أمة كثير ؛ وسبوا منهم سبي لا يدخل تحت الحصر وساعدهم اليهود فى الحرب وتخريب الكنائس ؛ ونالوا من النصارى كل منال وأعظموا النكاية فيهم وخلا كرسي بطركية الإسكندرية سبع سنين لخلو أرض مصر من الروم واختفى من بقى بها من النصارى خوفاً من الفرس ولما انتصر هرقل على الفرس سامهم هم واليهود أشد أنواع العذاب حتى لم يبقى فى ممالك الروم بمصر والشام منهم إلا من فر واختفى
2- حاول هرقل فى مجمع ” خلقدونية ” توحيد المذاهب كلها فى مذهب واحد الملكانى ” الكاثوليكى ” فما أفلح فنزع عن طريق عامله “قيرس ” فى مصر إلى الشدة واستمرذلك عشرسنوات عذب فيها أخو الأسقف الكبير بنيامين بإحراقه بالمشاعل وخلع أسنانه وتهديده بالإغراق حتى إذا أمعن فى الإباء ألقى فى البحر وراح غريقاً وعذب صموائيل بأن كتفوا يديه من خلاف وساموه فى ديره بالصحراء وأخذوا يضربونه حتى سال دمه وهرب الرهبان من أديرتهم وخلت الكنائس من قاصديها بعد أن أذاق الرومان الكاثوليك القسس الأرثوذكس الأمرين من العذاب
3- أن هرقل بعث ” اثوليناريوس ” إلى الإسكندرية فلما وصلها لبس ثياب البطاركة وضرب الجرس يوم الأحد فاجتمع الناس وأمرهم نيابة عن هرقل بترك الأرثوذكسية والتحول إلى الكاثولكية وإلا قتلهم واستباح دمائهم وحريمهم فلما هموا برجمه اشار إلى الجند فوضعوا السيف فيهم فقتل من الناس ما لا يحصى وقتلوا يومئذ مائتا ألف إنسان
4 – لا يخفى عليك قصة الإضطهاد الدينى بين الكاثوليك والبروتستانت و هى قصة معلومة ومشهورة فى تاريخ أوربا التى تدعى الحرية والتعددية والديمقراطية ومن ذلك أن تشارلس التاسع ( 1574 ) أراد أن ينشر الأمن فى ربوع البلاد فهادن الهوجونوت وأدنى زعماءهم من حضرته وتوج هذه الحركة بالرغبة فى تزويج أخته من زعيم لهم فأثار هذا المسلك ثائرة الكاثوليك وفى ليلة الزفاف أقبلت جموع الهوجونوت تترى إلى باريس فأطلق الرصاص على زعيمهم وعندئذ عزم على التنكيل بهم وخشي الكاثوليك مغبة ذلك فعقدوا النية على أن يجعلوا عيد القديس بارثلميو (24 أغسطس 1572 م ) وفى منتصف الليل دق ناقوس كنيسة “سان جرمان ” مؤذناً ببدء المذبحة بإشراف الكاثوليك والحرس الملكى فلما أصبح الصباح كانت شوارع باريس تجرى بدماء ألفين من النفوس تصاعدت إلى ثمانية آلاف وأكثر من ذلك بكثير من هؤلاء المساكين بل قيل إن المذبحة أودت بحياة نيف وعشرين ألفاً وقد اثار وقوع هذه المذبحة الرضا فى اوربا الكاثولكية كلها فكاد فيليب الثانى يجن من فرط الفرح وانهالت التهانى علي تشارلس التاسع بغير حساب وكاد البابا جريجورى الثالث عشر يطير فرحاً حتى أمر بأن تسك أوسمة لتخليد ذكراها وتوزع على وجوه الشعب وعيونه وقد رسمت على هذه الأوسمة صورته وإلى جانبه ملك يضرب بسيفه أعناق الملحدين وكتب عليها ” إعدام الملحدين ” وصورت هذه الصور على حوائط الفاتيكان واستمرت المنازعات الدامية تطحن الفريقين حتى أباد كل فريق الكثير من شيوخ خصومه ونسائهم وأطفالهم ودمرت بعض الكنائس والقبور والهياكل وتفككت فرنسا وأضحت جمهوريات صغيرة خربة تضم الكثير من الكنائس المتداعية والقبور المهدمة وما إن تمكن البروتستانت من خصومهم الكاثوليك حتى ساموهم أشد ألوان العذاب كما فُعل معهم من الكاثوليك وفى العصر الحديث أغرق رجال الثورة الفرنسية مخالفيهم فى الدماء للأذقان وأقاموا المشانق للأبرياء يوماً حتى صار هذا مألوفاً للناس “المرجع قصة الإضطهاد الديني 5”
5- يقول غوستاف لوبون ” لقد أكرهت مصر على انتحال النصرانية ولكنها هبطتت بذلك إلى حضيض الإنحطاط الذى لم ينتشلهم منها سوى الفتح العربى وكانت مصر تعانى من البؤس والشقاء وكانت مسرحاً للإختلافات الدينية الكثيرة فى ذلك الزمن “المرجع حضارة العرب غوستاف لوبون ص222”
6- يقول أرنولد : وعن الفرق بين أوضاع النصارى بمصر تحت الحكم الرومانى النصرانى ؛ كان النصارى يعذب بعضهم بعضاً ثم يلقى بهم فى اليم وتبع كثير منهم بطريقهم إلى المنفى لينجوا من أيدى مضطهديهم ؛ وأخفى عدد كبير منهم عقائدهم الحقيقية وتظاهروا بقبول قرارات مجمعى خلقدونية “الدعوة إلى الإسلام –سير توماس ارنولد 123 بل من شدة الإضطهاد من النصارى الرومان أن أحرقوا مكتبة الأسكندرية والتى كانت يومئذ تحت يد النصارى المصرين ؛ وانظرإلى أراء علماء الغرب فى ذلك يقول لوبون : أرى من للغو أن أحاول رد تلك الفرية على العرب أذكر للناس أن الأسانيد الصحيحة أجمعت على أن النصارى هم الذين حرقوا مكتبة الأسكندرية قبل الفتح العربى بحماسة كالتى اندفعوا بها لهدم معابد المصرين وتماثيلهم وأنهم لم يتركوا للعرب كتاباً ليحرقوه “حضارة العرب غوستاف لوبون 231”
7- وانظر إلى ما فعله الصليبيون فى الأرض من تخريب وتدمير وعاثوا فى الأرض فساداً وما فعلوه من قتل وتدمير فى فلسطين وسائر البلاد فهل عرفت قلوبهم الرحمة بإخوانهم ؟ وهل جاءوا لنصرة إخوانهم حقاً ؟ إنهم ما جاءوا إلا لأطماع للأنفسهم أما أبناء ملتهم فكانت معاملتهم لهم من أسوء المعاملات البشرية
8- إن الناظر للتاريخ الحديث يجد أن أكثر الحروب التى دارت كانت بين النصارى بعضهم البعض فانظر إلى ألمانيا ومافعله الألمان بعضهم ببعض وهم أبناء ملة واحدة حتى أن الدولة الواحدة انقسمت إلى شطرين بسبب الإختلافات المذهبية بين أبناء البلد الواحد فانقسمت إلى المانيا الشرقية وألمانيا الغربية وكانت الأسلاك الشائكة التى فرقت بين الأب وابنه وبين الزوج و زوجته وبين الأخ وأخيه وهلما جرا ونتج عن ذلك كثرة الحروب بين الجزئين حتى خرب الإقتصاد الألمانى وانظر إلى الحرب العالمية الأولى والثانية ؛ هل كانت بين المسلمين بعضهم البعض بالطبع لا ! بل كانت بين النصارى بعضهم البعض ؛ ونتج عن ذلك الكثير والكثير من الأموات بسبب الأطماع البشيرية ؛ وقد خالفوا بذلك مبادئ المسيحية القائمة على التسامح ” إذا ضربك العدو على خدك الأيمن فأدر له الأيسر ” وأصبح شعارهم دمر الأرض ؛ وخرب البلاد على أهلها من أجل أن تعيش قوى يهابك الناس وانظر إلى ما فعله الأمركان بالنصارى فى العراق وفى لبنان قتلوا وسبوا بل تركوا اليهود يقتلون فيهم كيفما شاءوا وساعدوهم على ذلك بالعدة والعتاد وهدمت الديار وخربت الأموال ؛ ولم يراعوا أن لهم إخوة نصارى مثلهم أبناء ملة واحدة سيقتلون ؛ وانظر إلى ما يفعله الأمركان مع الصهاينة من تدمير للمقدسات لا أقول الإسلامية فحسب بل المسيحية فى فلسطين ؟ أليست فلسطين فيها بيت لحم مهد المسيح عيسى عليه السلام ؟ أليس بها كنسية القيامة ؟ أليس بها نصارى مثلهم ؟ إنهم لا يراعون ذلك كله لأنهم لا دين لهم إلا المال و لا خلق لهم إلا الإفساد فى الأرض وتدمير حياة الناس ومعاشهم وتحالفوا مع عدو لهم أليسوا يزعمون أن اليهود هم الذين قتلوا المسيح وصلبوه وهم يعتقدون أن المسيح إلههم أفلا ينصرون إلههم الذى يزعمون ؟ أفلا يتقربون إليه بنصرة إخوانهم من أعدائهم اليهود ؟ خاب اعتقادهم وخسروا إن من دلائل محبة الإخوة النصرة لهم حتى ولو اختلفت لهجاتهم لأنه بالدين تذوب الفوارق وتنصهر حتى تكون أمة على قلب رجل واحد أما هذا فلا تجده عند النصارى وخير شاهد على ذلك أن بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثالث لما قدم إلى مصر رفض أن يستقبله البابا شنودة وهم ابناء ملة واحدة ودعوتهم دعوة واحدة ورغم ذلك تجد الفرقة هى الأساس قال الله تعالى 🙁 لا يقاتلونكم جميعاً إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون )
فهذا هو حال النصارى بعضهم مع بعض فرقة واختلاف وإن كانوا فى الظاهر يظهرون الوحدة فيما بينهم ؛ يا من تلجأون إلى الأمركان والله لن يغنوا عنكم من الله شيئاً وان الخسارة الخسارة لمن لجأتم إليه ولو كان فيهم الخير لسبق إليه من استعان بهم من كان قبلكم وما ذاقوا من وراء أمريكا إلا الشر والوبال فاحذروا احذروا
وانظر إلى الفارق بين معاملة النصارى مع بعضهم البعض ومعاملة المسلمين لهم
1- الدين الإسلامى يبدأ بدعوة الناس إلى الخير وجدالهم بالتى هى أحسن فإذا قامت عليهم الحجة ثم أعرضوا وجب قتالهم وإذا كان هناك سلطان وطواغيت ترفض أن يستمع الناس للإسلام فإنه يجب بتر هذه الطواغيت من أساسها لتبلغ كلمة الإسلام للناس ثم يأتى مبدأ ( لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى ) البقرة —-أى لا تكرهوا أحداً على الدخول فى دين الإسلام فإنه بين واضح جلى دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الخول فيه بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيد الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً —- تفسير بن كثير 1 / 310 إنها أخلاق الإسلام فإذا سيطر سلطان المسلمين على منطقة ما فإن أهلها لا يجبرون على اعتناق الإسلام ؛ ولكن يجب أن يخضعوا لسلطانه ؛ فإن أسلموا فلهم ما للمسلمين وإن طلبوا البقاء على ديانتهم فعليهم دفع الجزية للمسلمين وإلا فالسيف بينهم وبين المسلمين
2- النبي صلى الله عليه وسلم ضرب لنا كيف يتعامل الزعيم مع غيره من ملوك الدنيا فهو يقدر لهم المكانة التى هم عليها ومثال ذلك خطابه للمقوقس عظيم القبط بمصر لما أرسل له رسالة قال فيها : ” بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى فإنى أدعوك بدعاية الإسلام فأسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ” يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بينناوبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ؛ فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ” آل عمران 61 نموذج فى الدعوة ما رآينا مثله قط فلم يحمل السلاح ولم يبد القرى على أهلها ولم يدعوهم إلى هذا الدين بالقهر والظلم كما يدعى بعض الجهلاء ممن يدوعن أن الإسلام ما عرف إلا القتل وسفك الدماء نقول لهم أين أنتم من هذا المنهج العظيم أليس هذا من سماحة الإسلام ؟ وانظر إلى التقدير الجم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لشخص المقوقس حيث ذكره بصفته دون اسمه وانظر إلى أدب النبي صلى الله عليه وسلم معه فى الخطاب فلما قرأ المقوقس الرسالة أخذ الكتاب فجعله فى حق من عاج وختم عليه ثم كتب كتاباً لرسول الله قال فيه : ” لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط بمصر أما بعد فقد قرأت رسالتك وفهمت ما ذكرت وما تدعوا إليه وقد علمت أن نبياً قد بقى وكنت أظن أن يخرج بالشام وقد اكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان فى القبط عظيم ؛ وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها والسلام ” فانظر إلى حسن الرد
3- الدين الإسلامى سوى بين المسلم وغير المسلم وغيره فى الوطن الذى يعيشون فيه وأمر المسلمين أن يحسنوا العشرة مع غير المسلمين وبخاصة أهل الكتاب فقد مر عمر بن الخطاب رضى الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل شيخ كبير ضرير البصر فسأله عمر من أى أهل الكتاب أنت ؟ فقال : يهودى فسأله ما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : الجزية والحالة والسن فأخذ عمر بيده إلى منزله وأعطاه ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال له : انظر هذا وهرباءه فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم يؤيد هذا قوله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم فى الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ) الممتحنة “
4- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بالعدل بين المسلمين وغير المسلمين ويحكم بينهم بما أنزل الله وذلك بتحكيم كتاب الله وشريعته على المخالفين له فى الدين من اليهود الذين كانوا بالمدينة قال الله تعالى : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ) النساء آية 105
5- عن سعيد بن المسيب قال : أن مسلماً ويهودياً اختصما إلى عمر رضى الله عنه فرأى الحق لليهودى فقضى له عمر به فقال اليهودى : والله لقد قضيت بالحق فضربه عمر بالدرة وقال : ما يدريك ؟ فقال اليهودى : والله إنا نجد فى التوراة ليس قاض يقضى بالحق إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملك يسددانه ويوفقانه للحق ما دام على الحق فإذا ترك الحق عرجا وتركاه —–الترغيب والترهيب 3/ 455 فانظر إلى هذا العدل الذى استشعره ذلك اليهودى فيوقتن أن عمر رضى الله عنه حكم بحكم الله تعالى ولم يحابى المسلم على حساب اليهودى ولم يظلم اليهودى إرضاءً للمسلم ولكن هو العدل الذى أمر الله به ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ) النحل”
6- أن الأسقف ” بنيامين ” كتب من الأسكندرية إلى القبط لما بلغه قدوم عمرو بن العاص إلى مصر ؛ يعلمهم أنه لا يكون للروم دولة و أن ملكهم قد انقطع ويأمرهم بتلقى عمرو فيقال إن القبط الذين كانوا بالفرما كانوا يومئذ عوناً لعمرو بن العاص “المرجع فتوح مصر ص 58”
7- يقول توماس ارنولد وهو نصرانى غربى : قد كان فتح مصر أمراً ميسوراً بالنسبة إلى غيره من الفتوح حيث قامت جموع غفيرة من السكان بمساعدة العرب فى وضع حد للحكم البيزنطى ويرجع النجاح السريع الذى أحرزه غزاة العرب إلى ما لقوه من ترحيب من الأهالى المسيحين الذين كرهوا الحكم البيزنطى لما عرفوا به من الإدارة الظالمة ولما أضمروه من حقد مرير على علماء اللاهوت فإن اليعاقبة الذين يكونون السواد الأعظم من السكان المسيحين قد عوملوا معاملة مجحفة من أتباع المذهب الأرثوذكسى التابعين للبلاط الذين ألقوا فى قلوبهم بذور السخط والحنق اللذين لم ينسهما أعقابهم حتى اليوم — المرجع الدعوة إلى الإسلام 123
8- روى الطبرى عن سيف قال : حدثنا أبو عثمان عن خالد وعبادة قالا : قال عمرو : إنى بارز فليبرز إلى أبو مريم وأبو مريام ؛ فأجابوه إلى ذلك وآمن بعضهم بعضاً فقال لهما عمرو أنتما راهبا هذه البلدة فاسمعا ؛ إن الله عز وجل بعث محمداً بالحق وأمره به ؛ وأمرنا به محمد صلى الله عليه وسلم ؛ وأدى إلينا كل الذى أمر به ثم مضى صلوات الله عليه ورحمته ؛ وقد قضى الذى عليه وتركنا على الواضحة ؛ وكان مما أمرنا به الإعذار إلى الناس ؛ فنحن ندعوكم إلى الإسلام فمن أجابنا إليه فمثلنا ؛ ومن لم يجبنا إليه عرضنا عليه الجزية وبذلنا له المنعة — إلى أن قال : ومما عهد إلينا أميرنا ؛ استوصوا بالقبطيين خيراً ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصانا بالقبطيين خيراً ؛ لأن لهم رحماً وذمة ؛ فقالوا : قرابة بعيدة لا يصل مثلها إلا الأنبياء معروفة شريفة ؛ كانت ابنة ملكنا وكانت من أهل منف ؛ والملك فيهم ؛ فأديل عليهم أهل عين شمس فقتلوهم وسبوا ملكهم ؛ واغتربوا فلذلك صارت إلى إبراهيم عليه السلام ؛ مرحباً به وأهلاً ؛ أمنا حتى نرجع إليك ؛ فقال عمرو رضى الله عنه : إن مثلى لا يخدع ؛ ولكنى أؤجلكم ثلاثاً لتنظرا ولتناظرا قومكما وإلا ناجزتكم قالا : زدنا فزادهم يوماً فقالا : زدنا فزادهم يوما فذهبا ولم يرجعا “المرجع البداية والنهاية لإبن كثير 7 / 108 فانظر إلى هذا الجانب الدعوى العظيم الصادر من عمرو بن العاص رضى الله عنه وكيف أنه لم يشهر السيف فى وجه من دعاهم فلما فرا لم يطلبهما عمرو بل تركهم وما اختاروا وهذا الجانب من الإنسانية لا يفعله إلا من عرف الرحمة مع من خالفه
9- أن هرقل سأل رمياً أسره المسلمون ثم منوا عليه فقال له أخبرنى عن هؤلاء القوم ؛ فقال : أحدثك كأنك تنظر إليهم ؛ فرسان بالنهار ورهبان بالليل ؛ ما يأكلون فى ذمتهم إل بثمن ؛ ولا يدخلون إلا بسلام ويقفون على من حاربهم حتى يأتوا عليه فقال : لئن كنت صدقتنى ليرثن ما تحت قدمى هاتين – المرجع الطبرى 3/ 602 هذا إن دل فإنما يدل على حسن معاملة المسلمين للأسرى ممن يدينون بغير دين الإسلام كيف لا والله تعالى قال لنبيه : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) القلم –وقال تعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعفو عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر ) فانظر إلى هذا التسامح من رسول الله وكيف علمه لأصحابه؟ وانظر إلى ما فعله الصليبيون فى سجن أبو غريب وغيره وما فعلوه بأسرى المسلمين فهل أعطوا لهم أبسط حقوق الإنسان وهو الكرامة التى يدعون إياها ؟ لا والله فأين دعاة حقوق الإنسان ومن سائر على ضربهم من المنافقين والموالين لأمريكا وغيرها من هذا الموقف العظيم ؛ إن المسلمين الذين تربوا فى الصحراء ورعوا الغنم هم أول من دعا إلى أن للأسير حقاً ينبغى أن يعطاه ؛ وأن له كرامة ينبغى أن تحفظ له فله حق المأكل والمشرب وغير ذلك ولا يعذب فماذا فعل أدعياء حقوق الإنسان فى هذا الجانب؟ هم يحفظون للكلاب حقوقهم أما الإنسان فلا !
10- ان المسلمين طبقوا مبدئ السماحة بل جعلوا مراتب منها أن التسامح الدينى والفكرى له درجات ومراتب فالدرجة الدنيا من التسامح أن تدع لمخالفيك حرية دينه وعقيدته ولا تجبره بالقوة على اعتناق دينك أو مذهبك بحيث إذا أبي حكمت عليه بالموت أو العذاب أو المصادرة أو النفى أو غير ذلك ؛ والدرجة الوسطى من التسامح أن تدع له حق الإعتقاد بما يراه من ديانة أو مذهب ثم لا تضيق عليه بترك أمر يعتقد وجوبه فإذا كان اليهودى يعتقد حرمة العمل يوم السبت فلا يجوز أن يكلف بعمل فى هذا اليوم ؛ والدرجة التى تعلو ذلك ألا تضيق على المخالفين فيما يعتقدون حِله فى دينهم ومذهبهم ؛ وإن كنت تعتقد أنه حرام فى دينك أو مذهبك ؛ وهذا ما كان عليه المسلمون فى المخالفين من أهل الذمة إذ ارتفعوا إلى الدرجة العليا من التسامح “المرجع غير المسلمين فى المجتمع الإسلامى 45”
11- أن أرمنوسة بنت المقوقس وقعت أسيرة فى يد المسلمين وكان أبوها قد زوجها من قسطنطين بن هرقل وجهزها بما تحتاج إليه ليبنى بها فى ” قيسلرية ” فلما توجهت إلى بلبيس فى طريقها إلى زوجها لحق بها الجيش الإسلامى هناك فأحسن إليها عمرو بن العاص وسيَّرها بما معها إلى أبيها مكرمة مع قيس بن سعد فسُر المقوقس كثيراً لقدومها —–المرجع فتوح الشام 2 / 53 يا له من خلق عظيم اتصف به أهل الإسلام أخلاق لم نجد مثلها بين الأمم قديماً وحديثأ شهد بذلك من عقله فماذا فعل أدعياء حقوق الإنسان مع نساء لا أقول نساء المسلمين فحسب بل نساء النصارى أيضاً فى بلاد الإسلام ؟ وماذا فعل الأعداء مع أبناء ملتهم من النصارى وماذا فعلوا مع المسلمين ؟ إنهم سبوا النساء وقتلوا الأولاد وما عرفوا للمرأة حرمة وانظر إلى وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم للمجاهدين إذا دخلوا بلداً من البلاد لا تقطعوا شجراً ؛ ولا تقتلوا طفلاً ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً ؛ وهذا رد قاطع لكل من تسول له نفسه أن يدعى أن الإسلام دين الإرهاب فلننظر من هم الإرهابيون ؟ هل هم الذين لا يسبون ولا يقتلون الأطفال والنساء أم هم الذين قتلوا النساء ؟
12 – يقول الشيخ محمد أبو زهرة : ” إذا اختلفت الأديان فإن كل أهل دين لهم أن يدعوا إلى دينهم بالحكمة والموعظة من غير تعصب يصم عن الحقائق ولا إكراه ولا إغراء بغير الحجة والبرهان ” —المرجع العلاقات الدولية محمد أبو زهرة 42
13- أن الإسلام هو الدين الوحيد الذى أعطاهم حقوقهم كاملة ووافية لم تعطيهم أمة غيرها ومن ذلك
أ – أن النصارى آمنون فى أنفسهم فلا يعتدى عليهم بالضرب أو تعذيب أو قتل.
ب – أنهم آمنون فى أعراضهم فلا يُسبون ولا يُشتمون ولا يُغتابون ولا يُنمى بهم لأن هذا إهانة لهم والمسلمون منهيون عن ذلك والله تعالى يقول : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) “الإسراء آية 70
ج- عدم مس كنائسهم وبيعهم بسوء والنص صريح فى ذلك وانظر إلى الفرق الشاع بين المسلمين والنصارى إذا دخل المسلمون بلاد النصارى حافظوا لهم على كنائسهم وبيعهم ؛ أما إذا دخل النصارى بلاد المسلمين خربوا عليهم مساجدهم وديارهم وأموالهم والتاريخ الماضى والحاضر خير شاهد على ما يفعله الغازون
د- عدم سب آلهتهم والمسلم حينما يفعل ذلك فقد خالف منهج الله تعالى لأن الله تعالى قال : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) وانظر إلى الفرق بيننا وبينهم فهم لا يراعون لله حرمة ولا يتورعون فى سب معبودات الآخرين فيسبون كل من خالفهم وليس بعد كفرهم من ذنب ؛ أما المسلم فيكون رده عليهم رداً جميلاً حتى نبرز لهم الفرق بين المسلمين وغيرهم فالمسلم يقدر مكانة سيدنا المسيح عيسى بن مريم عند الله تعالى أما هؤلاء فلا يخجلون من تطاولهم على إله المسلمين الذي أمر المسلمين بحسن معاملة اليهود والنصارى وهذا إن دل فإنما يدل على سفههم قال تعالى : ( وجادلهم بالتى هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)، وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تكن فى ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) النحل
ه- أن لهم مطلق الحرية فى التجارة والكسب واعتبار ماعتبروه مالاً لأنفسهم وإن حرم ذلك على المسلمين كالخمر والخنزير لما روى أن عمر قال لعماله : ” بلغنى أنكم تأخذون الجزية من الميتة فقال بلال أجل إنهم يفعلون ذلك فقال عمر : لا تفعلوا ولكن ولوا أربابها بيعها ثم خذوا الثمن منهم — المرجع الخراج لأبى يوسف 126
و- أنهم لا يكلفون فوق طاقتهم روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه “
يا من ادعيتم أنكم تعطون الناس حقوقهم هل أدركتم هذا المعنى العظيم ؟ يا من آذيتم رسول الله هل علمتم منهجه ؟ يا من أذلكم ملوككم وساموكم العذاب هل رأيتم مثل منهج سيدنا رسول الله محمد ؟ قال أبو يوسف : ولا تؤخذ الجزية من المسكين الذى يتصدق عليه ولا من أعمى لا حرفة له ولا من ذمى يُتصدق عليه”الخراج لأبى يوسف 122
ل- إقرارهم على مناصبهم الدينية والمدنية فتجد فى دولة الإسلام وزير مسيحى ولا تجد فى دولة النصارى وزير مسلم والواقع خير شاهد على ذلك فهل فى هذا عدل ؟