ما لاقاه سيدنا أبو بكر الصديق فى الإسلام

تحمل الصحابة رضوان الله عليهم من البلاء العظيم ما تنوء به الرواسى الشامخات وبذلوا أموالهم ودمائهم فى سبيل الله فلقد أوذى أبو بكر وحُثى على وجهه التراب وضُرب بالمسجد الحرام بالنعال حتى ما يُعرف وجهه من أنفه وحُمل إلى البيت وهو ما بين الحياة والموت

روى عن عائشة رضى الله عنها أنه لما اجتمع أصحاب رسول الله فى صلاة الظهر فقال أبو بكر إنَّا قليل فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله وتفرق المسلمون فى المسجد كل رجل فى عشيرته وقام أبو بكر فى الناس خطب ورسول الله جالس فكان أو ل خطيب دعا إلى الله ورسوله وثار المشركون على أبى بكر وعلى المسلمين فضُربوا  فى نواحى المسجد ضرباً شديداً ووطئ أبو بكر وضُرب ضرباً شديداً ودنا منه الفاسق عُتبة بن رُبيعة فجعل يضربه بنعله ويُحرفهما لوجهه ونزل على بطن أبى بكر حتى ما يُعرف وجهه من أنفه وجاءت بنوا تميم يتعادون فأجلت المشركين عن أبى بكر وحملوه فدخلوا  المسجد  وقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلنَّ عُتبة بن رُبيعة فرجعوا إلى أبى بكر فجعل أبو قحافة والده وبنو تميم يُكلمون أبا بكر حتى أجاب فتكلم إلى أخر النهار فقال : ما فعلوا برسول الله : قالوا لأمه أم الخير انظرى أن تُطعميه شيئاً أو تُسقيه إياه فلما دخلت عليه ألحت عليه وجعل يقول : ما فعلوا برسول الله ؟ فقالت : والله ما لى علم بصاحبك ؛ فقال : إذهبى إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه فخرجت حتى جاءت أم جميل فقالت : إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله فقالت ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك فعلت فقالت : نعم فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً فدنت منه أم جميل وأعلنت الصياح وقالت والله إنَّ قوماً نالوا منك لأهل فسق وكفر وإنى لأرجوا الله أن ينتقم منهم ؛ قال فما فعل رسول الله ؟ قالت هذه أمك تسمع قال : فلا شئ عليكِ منها ؛ قالت : سالم صالح ؛ قال : أين هو ؟ قالت فى دار الأرقم قال : فإن لله علىَّ أن لا أذوق طعاماً ولا شراباً أو آتى رسول الله فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِجل وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله فأكب عليه رسول الله فقبله وأكب عليه المسلمون ورق له رسول الله فقال أبو بكر : بابى وأمى أنت يا رسول الله ليس بى بأس إلا ما نال الفاسق من وجهى وهذه أمى بُرة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار قال : فدعا له و دعاها رسول الله فأسلمت

ولما تضاعف أذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه حتى وصل إلى ذروته وخاصة فى معاملة المستضعفين من المسلمين فنكلت بهم قريش لتفتنهم عن عقيدتهم وغسلامهم ولتجعلهم عبرة لغيرهم ولتنفس عن حقدها وغضبها بما تصبه عليهم من العذاب

قال عبد الله بن مسعود : أول من أظهر الإسلام سبعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأمة سُمية وصهيب وبلال والمقداد فأما رسول الله فمنعه الله بعمه أبى طالب ؛ وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم اذرع الحديد وصهروهم فى الشمس فما من إنسان إلا وقد أتاهم على ما ارادوا إلا بلال فإنه هانت عليه نفسه وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول : أحد أحد ولم يكن لبلال ظهر يسنده ولا عشيرة تحميه ورغم ذلك تعرض للتعذيب من أجل عقيدته ودينه فقصد وزير رسول الله الصديق موقع التعذيب وفاوض فيه أمية بن خلف وقال له : ألا تتقى الله فى هذا المسكين ؟ حتى متى ؟ قال : أنت الذى أفسدته فأنقذه مما ترى فقال أبو بكر : أفعل عندى غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به قال : قد قبلت فقال أبو بكر : هو لك فأعطاه أبو بكر الصديق غلامه وأخذ بلال فأعتقه

وفى رواية اشتراه بسبع أواق ذهباً ما أصبر بلالاً وما أصلبه ؟ فقد كان صادقاً فى إسلامه طاهر القلب ولذلك صلب ولم يكن أمام التحديات وامام صنوف العذاب وكان صبره يزيد المشركين غيظاً وكان الرجل الوحيد من ضعفاء المسلمين الذى ثبت على الإسلام فبعد كل محنة منحة فقد تخلص بلال من العذاب والنكال وتخلص من أسر العبودية وعاش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية حياته ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم راضياً عنه مبشراً إياه بالجنة وأما مقامه عند الصحابة فقد كان عمر بن الخطاب يقول : أبو بكر سيدنا أعتق سيدنا ” يعنى بلال ” 

واصبح منهج الصديق فى فك رقاب المسلمين ضمن الخطة التى تبنتها القيادة الإسلامية لمقاومة التعذيب الذى نزل بالمستضعفين فمضى يضع ماله فى تحرير الرقاب المؤمنة المنضمة إلى هذا الدين الجديد من الرقاب ثم أعتق معه على افسلام قبل أن يهاجر إلى المدينة ست رقاب بلال سابعهم وعامر بن فُهيرة شهد بدراً وأحد وقُتل يوم بئر معونة شهيداً وأم عُبيس وزنيرة وأُصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش : ما أذهب بصرها إلا اللات والعُزة فقال : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان فرد الله بصرها وأعتق النهدية وبنتها وكانتا لإمرأة من بنى عبد الدار مر بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهى تقول والله لا أعتقكماأبداً فقال أبو بكر : حل يا أم فلان فقالت حل أنت أفسدتهما فأعتقهما قال : فبكم هما ؟ قالت بكذا وكذا قال : قد اخذتهما وهما حرتان فرد إليها الطحين قالتا أو تفرغ منه يا أبا بكر ثم رده إليها ؟ قال وذلك إن شئتما 

ومر بجارية من بنى مؤمل من بنى عُدى بن كعب وكانت مسلمة وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام وهو يومئذ مشرك يضربها حتى إذا مل قال : إنى أعتذر إليك إنى لم أتركك إلا عن ملالة فتقول كذلك فعل الله بك فابتاعها أبو بكر فأعتقها هكذا كان أبو بكر واهب الحريات ومحرر العبيد امتدحه الله تعالى فقال : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنييسره لليسرى )


المزيد في: حياة الصحابة

اترك تعليقاً