كيف تجعل حجك مبروراً
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق عليه
أخـي الحـاج: وفقك الله إلى كل خير.
هل تريد أن يكون حجك مبروراً؟
إذن ضع نصب عينيك هذين السؤالين عازماً على أن يكون الجواب منك جواباً عملياً.
أولاً: كيف يكون حجك موافقاً لهدي النبي صلى الله عليه و سلم ؟
ثانياً: كيف تحافظ عليه حتى يُقبل منك ولا يحبط؟
ربما تعجبت من هذه المقدمة!
أقـول: لأننا رأينا كثيراً من الحجاج لا يستشعرون أنهم تلبسوا بعبادة تفرض عليهم اجتناب ما حرّم الله، والحرص على معرفة هدي نبينا محمد صلى الله عليه و سلم في الحج بالأدلة الصحيحة الثابتة، فتجد أن أكثرهم لم يتغير من سلوكهم المنحرف قبل الحج شيء، وذلك دليل عملي منهم على أن حجهم ليس كاملاً، إن لم يكن غير مقبول. والعياذ بالله.
لذا فإن هناك أموراً لا بد لك من معرفتها والعمل بها وهي كما يلي:
التوحيد أولاً
جئت أخي الحاج ملبياً بالتوحيد.
لذا فاعلم وفقك الله أنه لا بد من تحقيق معنى هذه التلبية في أقوالك وأعمالك، قلبية كانت أو بدنية، حيث إنه يستلزم عليك تعظيم الخالق بجميع ما يليق به وتَعَلُّق القلب به، وصرف جميع أنواع العبادات إليه سواء كانت:
قلبية: كالمحبة، والخوف، والرجاء، والتوكل، والإنابة ونحوها.
أو قولية: كالذكر والدعاء والاستعانة والاستغاثة.
أو بدنية: كالركوع والسجود والطواف ونحوه.
أو مالية: كالذبح والنذر والصدقة.. وغير ذلك.
لقوله تعالى: [ قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين] سورة الأنعام (الآيتان 162،163).
فمن أراد الله به خيراً فتح له باب الذل والانكسار والافتقار إليه.
قال ابن القيم رحمه الله: ((وأقرب باب يدخل منه العبد على الله تعالى هو الإفلاس، فلا يرى لنفسه حالاً، ولا مقاماً، ولا سبباً يتعلق به، ولا وسيلة منه يمنُّ بها، بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف والإفلاس المحض، دخول من كسر الفقرُ والمسكنةُ قلبه)).
واعلم أن من تعظيم الله تعالى وإجلاله تعظيمَ أمره ونهيه، والله تعالى يقول في سياق آيات الحج: [ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ] البقرة:197.
فالله عز وجل قد نهاك عن أشياء ثلاثة: الرفث، والفسوق والجدال، ثم أمرك بالتقوى، فاحرص على اجتناب ما نُهيت عنه، وفعل ما أُمرت به فإن فعلت فأنت الموفق.
واعلم -وفقك الله لطاعته- أنه ينبغي عليك أن تقوم بأداء شعائر الحج على سبيل التعظيم والإجلال والمحبة والافتقار والخضوع لله رب العالمين.
ثانياً: إقامة الصلاة
قال الله تعالى: [ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مُخلصين له الدين حُنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ] سورة البينة.
وقال الله تعالى: [قُل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ] سورة إبراهيم:31.
فالصلاة هي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين.
وهي أشهر معالم التوحيد، كما أنها فرقان بين الإسلام والكفر وهي عمود الدين وأول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة، فلا يقبل من العبد زكاة ولا صوم ولا حج ولا برّ ولا صدقة حتى يحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها مستوفياً لشروطها وأركانها وواجباتها.
قال الله تعالى: ( وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كُسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) سورة التوبة
وقال النبي صلى الله عليه و سلم : (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة).رواه مسلم .
فالواجب على كل مُسلم ومُسلمة المحافظة على الصلوات الخمس وتعلم كيفية صلاة النبي صلى الله عليه و سلم لأمره بذلك في قوله: (صلوا كما رأيتموني أُصلي)رواه البخاري
ويجتهد على نفسه فيها بتحقيق الخشوع وحضور القلب لقول الله تعالى:
[قد أفلح المؤمنون، الذين هُم في صلاتهم خاشعون ] سورة المؤمنون.
وتأمل قول الرسول صلى الله عليه و سلم : (يا بلال أرحنا بالصلاة).رواه أبو داود و أحمد .
وقوله صلى الله عليه و سلم : (وجُعلت قرّة عيني في الصلاة).رواه النسائي وأحمد .
وقول النبي صلى الله عليه و سلم : (إن العبد ليصلى الصلاة ما يُكتب له منها إلا عُشرها، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلثها، نصفها).رواه أبو داود والنسائي.
وكان العلماء السابقون من السلف الصالح يجعلون معيار من يؤخذ عنه العلم تمسكه بالسنة وخاصة في صلاته.
قال إبراهيم النخعي رحمه الله : (وكانوا إذا أتوا الرجل يأخذون عنه العلم: نظروا إلى صلاته، وإلى سنته، وإلى هيئته ثم يأخذون عنه).
وقال أبو العالية: كنا نأتي الرجل لنأخذ عنه فننظر إذا صلى: فإن أحسنها جلسنا إليه وقلنا: هو لغيرها أحسن، وإن أساءها قمنا عنه، وقلنا: هو لغيرها أسوأ.رواه الدارمي .
ثالثاً: الطيبات من الرزق
فأفضل ما أنفقت فيه الأموال، إنفاقها في الوصول إلى المحبوب، وإلى ما يحبه المحبوب، كيف وهو سبحانه الغني الحميد قد وعدنا بإخلاف النفقة والبركة في الرزق.
قال الله تعالى: [ وما أنفقتم من شيء فهو يُخلفه وهو خير الرازقين ] سبأ:39.
وإنفاقها في زيارة المسجد الحرام الذي هو أول بيت وضع للناس والصلاة فيه التي تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد والتشرف بالطواف فيه امتثالاً لقوله تعالى: [ ولْيطّوّفوا بالبيت العتيق ] (سورة الحج). وهو خير ما أنفقت فيه الأموال وفرغت من أجله الأوقات، ولكن لتعلم أن ذلك مشروط بالنفقة والكسب الحلال لقول النبي صلى الله عليه و سلم : (إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال الله تعالى: [ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وأعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ] سورة المؤمنون ، وقال تعالى: [ يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما زرقناكم واشكروا لله إن كُنتم إياه تعبدون ] سورة البقرة ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر،يمد يديه إلى السماء يارب، يارب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له) رواه مسلم.
ومعنى الحديث أن الله تعالى مقدس منزه عن النقائص والعيوب فهو لا يقبل إلا الطيب من الأعمال وهو ما كان خالياً من المفسدات كالرياء، والسمعة والعجب، وسائر أنواع الشرك.
ولا يقبل من الصدقات إلا ما كان من مال طيب حلال، ولا يقبل من الأقوال إلا ما كان طيباً.
وجاء في حديث التشهد: (التحيات لله، والصلوات والطيبات) ومعنى (الطيبات) أن الله طيب في ذاته وصفاته وأفعاله وأقواله. وأنه لا يليق به إلا الطيب من الأقوال والأفعال الصادرة من الخلق.
رابعاً: حُسن الخلق
أخي المسلم: اعلم أن لك في حُسن الأخلاق، والإحسان إلى الحجاج، وسقايتهم وعدم مضايقتهم والتواضع لهم الأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى.
حيث قال جل جلاله: [ واخفض جناحك للمؤمنين ] سورة الحجر.
وفي الحديث المتفق عليه: (إن من خياركم أحاسنكم أخلاقاً).
وفي الحديث الآخر (أحبُ الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سُرور تُدخله على مسلم، أو تكشف عنه كُربة أو تقضي عند ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلى من أن أعتكف في هذا المسجد مسجد المدينة شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه لأمضاه، ملأ الله قلبه رضى يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، ثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل). رواه الطبراني
خامساً: الصبر والاحتساب
أخي الحاج الكريم: تذكر قول النبي صلى الله عليه و سلم عن الحج والعمرة بأنهما: (جهاد لا قتال فيه) رواه أحمد . وأن الحج مدرسة للأخلاق، وتهذيب للنفوس، وسمو بها إلى أعلى المقامات، وهو اختبار عملي للصبر والأخلاق، فَلَرُبما مرضت أو تعبت أثناء تنقلك من المشاعر، أو ربما فقدت شيئاً عزيزاً عليك، أو سمعت خبراً مزعجاً، أو ربما أحسنت فأسيء إليك، أو أصابك الهم والحزن، أو ربما ضاع مالك أو سُرق -بإهمال منك أو من غير إهمال-، لذا عليك أن تعلم بأن هذا كله ابتلاء من الله تعالى ليمتحن صبرك وثباتك وصدقك أو لحكمة أخرى أرادها الله سبحانه
لذا أوصيك هنا بوصايا:
أولاً: الصبر! الصبر! الصبر! وأكثر من قول: (قدر الله وما شاء فعل) واحذر من أن تقول: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن أكثر من الاسترجاع وتذكر قول الله عز وجل: [ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ] سورة البقرة.
ثانياً: اعلم: (إن لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه).رواه أحمد
ثالثاً: أحسن الظن بالله عز وجل، وأنه سيعوضك خيراً كثيراً، فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي أنه تعالى قال: أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء…) .رواه البخاري ومسلم . ويقول الرسول صلى الله عليه و سلم : (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، وليس ذلك إلا للمؤمن).رواه مسلم