اثار الذنوب والمعاصى

يقول نبينا صلى الله عليه وسلم ( إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ) ، وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة , والمضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه الا الله .

 

فمنها : حرمان العلم :- فإن العلم نور يقذفه الله في القلب , والمعصية تطفيء ذلك النور . ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته , وتوقد ذكائه وكمال فهمه , فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية

ومنها حرمان الرزق : – وكما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر , فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي .

ومنها وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله :- لاتوازنها ولاتقارنها لذة أصلاً , ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تَفِ بتلك الوحشة , وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة

ومنها الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس :- ولاسيما أهل الخير منهم , فإنه يجد وحشة بينه وبينهم , وكلما قويت تلك الوحشة بَعُدَ منهم ومن مجالستهم وحُرِمَ بركة الانتفاع بهم , وقَرُبَ من حزب الشيطان بقدر ما بَعُدَ من حزب الرحمن , وتَقْوَى هذه الوحشة حتى تستحكم , فتقع بينه وبين إمرأته وولده وأقاربه , وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه وقال بعض السلف إني لأعصي الله فأرى ذلك في خُلُق دابتي وإمرأتي .

ومنها تعسير أموره عليه :- فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقاً دونه , أو متعسراً عليه وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا , فمن عَطَّلَ التقوى جعل الله له من أمره عسرا . ويالله العجب ! كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لا يعلم من أين أُتيَ .

ومنها ظلمةٌ يجدها في قلبه :- يُحِسُّ بها كما يُحِسُّ بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم , فتصيرُ ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة , وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر , كأعمى أخرج في ظلمة الليل يمشي وحده

ومنها ان المعاصي توهن القلب والبدن :- أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية , وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته من قلبه , وكلما قوى قلبه قوى بدنه ,وأما الفاجر فإنه وإن كان قوى البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه . وتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم , أحوج ما كانوا إليها , وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم .

ومنها حرمان الطاعة :- فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بَدَلَه , ويقطع طريق طاعة أخرى , فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة , ثم رابعة وهلم جرا

ومنها أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته :- فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور يقصر العمر . وقد اختلف الناس في هذا الموضع : فقالت طائفة : نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه . وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي . وقالت طائفة بل ينقص حقيقة , كما ينقص الرزق فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده , وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده قالوا ولا تمنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب – فالأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة والصحة والسقم والمرض والغنى والفقر وإن كانت بقضاء الله عز و جل فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها . وقالت طائفة أخرى : تأثير المعاصي في محق العمر إنما هو بأن تفوته حقيقة الحياة , وهي حياة القلب . ولهذا جعل الله سبحانه الكافر ميتا غير حي , كما قال تعالى ( أمواتٌ غيرُ أحياء ) النحل 12 – فالحياة في الحقيقة حياة القلب وعمر الإنسان مدة حياته فليس عمره إلا أوقات حياته بالله , فتلك ساعات عمره , فالبر والتقوى والطاعة تزيد في هذه الأوقات التي هي حقيقة عمره ولا عمر له سواها . يوم يقول ( يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) الفجر 24

ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضا :- حتى يَعٌزُّ على العبد مفارقتها والخروج منها , كما قال بعض السلف : أن من عقوبة السيئة السيئة بعدها , وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.

اللهم ارزقنا طاعتك ومحبتك وجنتك وأبعدنا عن معصيتك ونارك واحفظنا من شر الشيطان الرجيم وشرور انفسنا


اترك تعليقاً