شرح الكبائر الرياء فى الحج

الحج لغة : القصد ؛ يقال : حجج إلينا فلان أى قدم وحجه يحجه أى قصد “1” وشرعاً : قصد بيت الله الحرام للنسك “2” والحج ركن من أركان الإسلام وفرض من فرائضه التى فرضها الله تعالى على المستطيع من عباده قال تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) “3” هذه آية وجوب الحج عند الجمهور وقيل ( وأتموا الحج والعمرة لله ) والأول أظهر “4” وقد وردت أحاديث كثيرة تبين أنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وأجمع المسلمون على ذلك إجماعاً ضرورياً وإنما يجب على المكلف فى العمر مرة واحدة  بالنص والإجماع                                                      قال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون ثنا الربيع بن مسلم القرشى عن محمد بن زياد عن أبى هريرة قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا أيها الناس قد فُرض عليكم الحج فحجوا فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً فقال رسول الله لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال : ذرونى ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وإذا أمرتكم بشئ فاتوا منه ما ستطعتم و إذا نهيتكم عن شئ فدعوه ) “5 ” وروى مسلم عن بن عباس قال خطبنا رسول الله فقال : ( يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال : يا رسول الله أفى كل عام ؟ فقال : لو قلت نعم لو جبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولن تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع ) ” 6 ” وقد اتفقت كلمة العلماء على فؤيضته من غير أن يشذ منهم واحد لذلك حكموا بكفر جاحده لأنه إنكار لما ثبت بالقرآن والسنة والإجماع وروى أنه لما حج آدم قاإلى ل له جبريل إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بهذا البيت بسبعة الآف سنة والمشهور أنه فرض فى السنة السادسة من الهجرة وقيل : السنة الخامسة من الهجرة “7”                                                                                                                                                    شروط وجوب الحج                                                           1- الإسلام : فلا يجب على الكافر وجوب مطالبة فى الدنيا فى حال كفره ولا ينافى أنه يجب عليهم وجوب عقاب فى الآخرة عقاباً زائداً على عقاب الكفر كما فى غيره من الواجبات ؛ ولا أثرلاستطاعته فى الكفر حتى لو أسلم وهو معسر بعد استطاعته فيه اعتبر استطاعة جديدة ؛ أما المرتد فيجب عليه وجوب مطالبة بأن يقال له : أسلم وحج عن استطاع قبل ردته أو فيها فإن أسلم معسراً واستقر فى ذمته بتلك استطاعتان إن مات بعد إسلامه ولم يحج حج عنه من تركته “8”                                                                                                                 2- البلوغ : فلا يجب على الصبى غير المكلف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رُفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل “9 ”            3- العقل : فلا يجب على مجنون لعدم تكلفه كالصبى                                                                                                                                                                             4- الحرية : فلا يجب على من فيه رق ولو مبعضاً لأن منافعه مستحقة لسيده وفى إيجاب الحج عليه إضرار بسيده ؛ ولأن الجمعة لا تجب عليه من قرب مسافتها مراعاة لحق سيده فالحج أولى “10 ” 5- الإستطاعة : فلا يجب على غير المستطيع لقوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا

الإستطاعة نوعان : 1- استطاعة مباشرة وهى أن يتمكن الإنسان من الحج والإعتماد بنفسه بأن يكون قادراً صحيح الجسم يمكنه السفر وأداء المناسك من غير ان يناله ضرر كبير أو مشقة وشروطها سبعة أ- وجود الزاد الذى يكفيه وأوعيته ومؤنة ذهابه لمكة ورجوعه منها إلى بلده “11” ب – وجود الراحلة التى تصلح له بشراء أو استئجار أو أجرة المثل ج- أمن الطريق وعناه أن يكون الحاج آمناً فى النفس والأهل والولد د- إمكان السير والمراد بهذا أن يبقى من الزمان بعد وجود الزاد والراحلة ما يمكن فيه السير المعهود إلى الحج ل- أن يخرج مع المرأة زوجها أو محرمها أو نسوة ثقات لأن السفر وحدها حرام و إن كانت فى قافلة لخوف استحالتها وخديعتها م – أن يثبت على الراحلة بلا ضرر شديد فمن لم يثبت أصلاً أو ثبت بضرر شديد لكبر أو غيره انتفى عنه الإستطاعة المباشرة ن- وجود الزاد وعلف الدابة بالحال التى يعتاد حملها منها وهو القدر اللأئق بذلك زماناً ومكاناً    “12”     

2- استطاعة الإنابة : وهى أن يملك المكلف من المال ما يكمنه إنابة غيره بالحج عنه فى حياته أو بعد مماته لعجزه عن المباشرة بنفسه ويشترط فيمن يحج عن الغير أن يكون ثقة أدى فريضته غير مغصوب فإن كان متطوعاً بالنسك اشترط كونه غير معولاً عن الكسب أو السؤال 

آداب الحج

ينبغى لمن أراد الحج أن يبدأ بالتوبة ورد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لكل من تلزمه نفقته إلى وقت الرجوع ويرد ما عنده من ودائع ويستصحب من المال الحلال ما يكفيه لذهابه ورجوعه من غير تقتير على وجه يمكنه معه التوسع فى الزاد والفق بالفقراء ويستصحب ما يصلحه كالسواك والمشط والمرآة والمكحلة ؛ ويتصدق بشئ قبل خروجه وإذا اكترى فليظهر للجمَّال كل ما يريد أن يحمله من قليل وكثير ؛ وقد قال رجل لإبن المبارك إحمل لى هذه الرقعة إلى فلان فقال : حتى أستئذن الجمَّال ؛ وينبغى أن يلتمس رفيقاً صالحاً محباً للخير معيناً عليه إن نسي  ذكَّره و إن ذكر أعانه وإن ضاق صدره صبَّره ؛ وليؤمر الرفقاء عليهم أحسنهم خُلقاً وأرفقهم بالأصحاب وإنما احتيج إلى التأمير لأن الآراء تختلف فلا ينتظم التدبير وعلى الأمير الرفق بالقوم والنظر فى مصالحهم وأن يجعل نفسه وقاية لهم وينبغى للمسافر تطيب الكلام وإطعام الطعام ؛ وإظهار محاسن الأخلاق فإن السفر يُخرج خفايا الباطن ومن كان فى السفر الذى هو مظنة الضجر حسن الخلق كان فى الحضر أحسن خُلقاً ؛ وقد قيل : إذا أُثنى على الرجل معاملوه فى الحضر ورفقاؤه فى السفر فلا تشكوا فى صلاحه وينبغى له أن يودع رفقاؤه وإخوانه المقيمين ويلتمس أدعيتهم ويجعل خروجه بكرة يوم الخميس وليصل فى منزله ركعتين قبل الخروج ويستودع أهله وماله ويستعمل الأدعية والأذكار المأثورة عند خروجه من منزله وفى ركوبه ونزوله وهى مشهورة فى كثير من الكتب فى مناسك الحج وكذلك جميع المناسك من الإحرام والطواف والسعى والوقوف بعرفة وغير ذلك من أعمال الحج يأتى فيها بما ذكر من الأذكار والدعوات والآداب وكل ذلك مستوفى فى كتب الفقه وغيرها فليطلب هناك “13 ” 

الآداب الباطنة  

لا وصول إلى الله عز وجل إلا بالتجرد والإنفراد لخدمته وقد كان الرهبان ينفردون فى الجبال طلباً الأنس بالله فجعل الحج رهبانية لهذه الأمة فمن الآداب المذكورة

1- أن يكون خالساً فى حجه من تجارة الدنيا تشغل قلبه وتفرق همه ليجتمع على طاعة الله تعالى

2- أن يكون أشعث أغبر رث الهيئة غير مستكثر من الزينة

3- ينبغى تجنب ركوب المحمل إلا من عذر كى لا يتمسك على الزاملة فى حديث جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله عز وجل يباهى بالحاج الملائكة فيقول : انظروا إلى عبادى أتونى شعثاً غبراً من كل فج عميق أشهدكم يا ملائكتى أنى قد غفرت لهم ) “14 ” وقد شرف الله بيته وعظمه ونصبه لعباده وجعل ما حوله حرماً تفخيماً لأمره وتعظيماً لشأنه ؛ وجعل عرفة كالميدان على فنائه واعلم أن فى كل واحد من أفعال الحج تذكرة للمتذكر وعبرة للمعتبر ؛ فمن ذلك أن يتذكر بتحصيل الزاد الآخرة من الأعمال وليحذر أن تكون أعماله فاسدة من الرياء والسمعة فلا تصحبه ولا تنفعه كالطعام الرطب الذى يفسد أول منازل السفر فيبقى صاحبه وقت الحاجة متحيراً فإذا وطنه ودخل البادية وشهد تلك العقبات فليتذكر بذلك خروجه من الدنيا بالموت إلى ميقات القيامة وما بينهما من أهوال ؛ ومن ذلك أن يتذكر وقت إحرامه وتجرده من ثيابه إذا لبس ملابس الإحرام لبس كفنه وأنه سيلقى ربه على زى مخالف لزى أهل الدنيا ؛ وإذا لبى فليستحضر بتلبيته إجابة الله تعالى إذ قال : ( وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتينا من كل فج عميق ) ليرجى القبول وليخش عدم الإجابة ؛ ومن ذلك إذا رأى البيت الحرام استحضر عظمته فى قلبه وشكر الله على تبليغه رتبة الوافدين ؛ وإذا سعى بين الصفا والمروة ينبغى أن يمثلهما بكفتى الميزان وتردده بينهما فى عرصات القيامة ؛ أو تردد العبد إلى باب دار الملك إظهاراً لخلوص خدمته ورجاء الملاحظة بعين الرحمة وطمعاً فى قضاء حاجته ؛ أما الوقوف بعرفة فإذكر بما ترى فيه من ازدحام الخلق وارتفاع أصواتهم واختلاف لغتهم موقف القيامة واجتماع الأمم فى ذلك الموضع واستشفاعهم ؛ أما رمى الجمار فإقصد به الإنقياد لأمر الله وإظهار رق العبودية ومجرد الإمتثال من غير حظ النفس “15 ”

4- أن تكون النفقة حلالاً

5- أن لا يعاون أعداء الله بتسليم المكس وهم الصادون عن المسجد الحرام من أمراء مكة والأعراب المتربصين فى الطريق فإن تسليم المال إليهم إعانة على الظلم وتيسيير لأسبابه عليهم فهو الإعانة بالنفس فليتلطف فى حلية الخلاص فإن لم يقدر فقد قال بعض العلماء : ولا بأس بما قاله إن ترك التنفل بالحج والرجوع عن الطريق أفضل من إعانته الظلمة فإن هذه بدعة أحدثت وفى الإنقياد لها ما يجعلها سنة مطردة وفيه ذل وصغار على المسلمين ببذل الجزية

6- التوسع فى الزاد وطيب النفس بالبذل والإنفاق من غير تقتير ولا إسراف بل عن اقتصاد وأعنى بالإسراف التنعم  بأطيب الأطعمة والترفه بشرب أنواعها على عادة المترفين 

7- ترك الرفث والفسوق والجدال والرفث اسم جامع لكل لغو وفحش من الكلام ويدخل فيه مغازلة النساء ومداعبتهنَّ والتحدث بشأن الجماع والفسق اسم لكل خروج عن طاعة الله تعالى ؛ والجدال : المبالغة فى الخصومة

ولقد لبس على جماعة من القاصدين إلى مكة فهم يضيعون الصلوات ويطففون إذا باعوا ويظنون أن الحج يدفع عنهم ؛ وقد لبس على قوم منهم فابتدعوا فى المناسك ما ليس منها فرأيت جماعة منهم يتصنعون فى إحرامهم فيكشفون عن كتف واحدة ويبقون فى الشمس أياماص فتكشط جلودهم وتنتفخ رؤوسهم ويتزينون بين الناس بذلك ؛ وقد لبس على قوم يدعون التوكل فخرجوا بلا زاد وظنوا أن هذا هو التوكل وهم على غاية الخطأ قال رجل للإمام أحمد : أريد ان أخرج إلى مكة على التوكل من غير زاد فقال الإمام أحمد : فاخرج من غير القافلة ؛ قال : لا معهم قال فعلى جراب الناس توكلت “16” 

من آفات الحج 1- المباهاة بالحج وذلك أنك ترى فى بعض الأحيان بعض الأثرياء الذين توافرت لهم الأموال الطائلة يقومون بآداء الحج عدة مرات وذلك من باب أن يقول للناس إنى قد حججت عدد مرات كذا وكذا ولكن الأولى أن يكون الحج مرة أو مرتين على الأكثر ثم يوجه ماله خدمة للمسلمين فى بناء المستشفيات أو تجهيزها وغير ذلك مما فيه منفعة للمسلمين

2- التعالى على الناس وذلك أنك غذا قلت له يا عم فلان قال لك : يا عم ؟إنى قد ذهبت مرات كذا وأنت تقول لى ياعم قل لى يا حج فلان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المصادر

1- لسان العرب لابن منظور 

2- حاشية الباجورى على شرح بن قاسم 1 / 308

3- سورة أل عمران آية 90

4- تفسير بن كثير 1 / 385

5- أخرجه مسلم 1336

6- مسلم 1337

7- حاشية الباجورى 1 / 308

8- الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 4 / 142

9- مرسل رواه أبو داود 3825

10- كفاية الأخبار 1 / 218

11- مغنى المحتاج 1 / 462

12- مغنى المحتاج 1 / 467

13- مختصر منهاج القاصدين 39

14- حسن بن خزيمة فى صحيحه 2840

15 – مختصر منهاج القاصدين 41

16- تلبيس إبليس 162

                   

 

                                                                                                                                                                                                               

 

 

 

 

 

 


المزيد في: مختارات

اترك تعليقاً